الطويرجاوي..أمـيــــر الغـنــــاء الــريــفــي

المقاله تحت باب  في الموسيقى والغناء
في 
10/09/2009 06:00 AM
GMT



الغناء الريفي الأصيل هو الابوذية التي تشكل مع المقام العراقي مصدراً للاغنية العراقية فمن معينها يغترف الشعراء الشعبيون اقوالهم
ومن بيئتهما ينطلق مطربو الريف والمقام العراقي.وعليه:فان الابوية فن أدبي شعبي أصيل تتوفر فيه بلاغة اللهجة العامية فهي اللون الغنائي الأكثر تفاعلاً وجدانياً مع مشاعر الذات التي تعتمر داخل كيان ناظم الابوذية وهي المجال الرحب في توظيف الشجن العراقي المُعبر عن الحالة الوجدانية المفعمة بالاحساس المرهف في عمق المعاناة التي يبرز فيها الدهر وهو الظرف الحياتي الذي يحيط بناظم الابوذية والذي يجسده المطرب الريفي أو المغني الريفي في غنائه ويأتي الدهر عدواً لدوداً يتحيّن الفرص للانتقام من الانسان الذي وقع تحت وطأته حيث يبرز الدهر كوسيلة للتعبير عن اللواعج الانسانية في عمق الشجن الذي يظهر على شكل شحنات حرّى..
ساخنة تتناسب وعمق عاطفة شاعر الابوذية اثناء نظمه لبيت الابوذية التي يوصلها المغني الى المتلقين بالمستوى الذي تفاعل معه وجدانه.الابوذية ادب ديواني شعبي يتعامل به عليّة القوم من شيوخ ووجهاء الريف الذين يلتقون كندماء فيما بينهم كناظمين أو متذوقين لهذا الفن الاصيل فيقضون سهرة ممتعة يتناولون فيها أدب الحكمة والنصيحة والرمزية والغزل والشكوى من الدهر ويتبادلون فيها الآراء في بلاغة البيت الفلاني الذي قاله السيد (ص) في المناسبة (ح) أي أنهم يمارسون عملية نقد أدبي في تقييم ما يحفظون أو يسمعون أو ينظمون .وللشاعر حسين العبادي من مواليد 1760 في منطقة عبادة من قضاء الچبايش جنوب الناصرية وهو من شعراء الابوذية الذين ذاع صيتهم وتناقلت الأجيال شعره وحفظ كثير من المغنين نظمه وكانوا ينسبون ما يغنونه اليه بقولهم(يگول العبادي) وعلى سبيل المثال نورد البيت التالي الذي يشكو فيه العبادي من قسوة فراق الخلان وهو على الرغم من قسوتهم لا يعاشر غيرهم أحداً ولفراقهم نحف جسمه واصابه الهزال واصبح مجرد هيكل قاصر عن المشي الوئيد والحبور وهو ما يزال ينتظر اطلالهم عليه لكنهم مبطئين بالوصول اليه على الرغم من وفائه وبقائه على العهد والأخوة الصادقة.
گصاني فراك خلاني ولحبي: من الالحاح
ممالح غيرهم بالود ولحبي: لا أحب
شاخص صرت لا خطري ولحبي: أحبو
بملهم وانتظر وأبطوا عليه.
ومن المطربين الذين كان الشجن يملأ أصواتهم ويتشبع من داخلهم ويجسدونه على شكل حسرات وآهات وأنات هو المطرب الريفي عبد الأمير كاظم حمادي الشهير بالطويرجاوي نسبة الى قضاء طويريج في محافظة بابل.ولد عبد الأمير الطويرجاوي عام 1885 ولشهرته وطول باعه في غناء الابوذية لقب بأمير الغناء الريفي في العراق.في العاشرة من عمره استمع الى المطربين البارزين في الغناء الريفي والابوذية بالذات وتعلم منهم أوليات هذا الفن الاصيل ومن الذين كانوا يعيشون في مدينته وكانت مدينته من المدن العراقية التي تحتفي بفن الابوذية ولها حضور كامل على صعيد هذا اللون الشعبي على مستوى الابوذية والموال.وقد عُرف عن كبار المطربين في طويريج أنهم اكتشفوا كثيراً من الاطوار الغنائية الريفية واضافوها الى حيزات الابداع في غنائهم.بدأ عبد الأمير الطويرجاوي بالغناء عام 1915 وكانت البداية في بيت آل قزوين في الهندية والبدايات كانت في المواليد ومراسم التعزية.وللطويرجاوي لون خاص أو طور خاص به ابتكره هو لنفسه وتميز باختلاف درجاته النغمية عن باقي الاطوار الأخرى وهو طور ينسجم مع طقوس المنبر وليالي السمر وحين افتتحت اذاعة بغداد عام 1936 كان من أوائل المغنين فيها بعد ناصر حكيم وحضيري أبو عزيز وداخل حسن.ناصرَ الطويرجاوي حركة مايس 1941 وانتمى اليها وطنياً وحكم عليه بالاعدام بعد أن تلاشت الحركة الاّ أنه اختفى عند أحد اصدقائه في بغداد الى أن هدأت الامور.وفي بداية الخمسينيات سافرسراً الى خارج بغداد وعاد اليها بعد 14 تموز 1958 وعرف عنه أنه كان شاعراً  في مجال الأدب الشعبي.في 27 تموز عام 1970 توفي الطويرجاوي في مدينة الصدر ببغداد فقيراً معدماً لا يمتلك ثمن الدواء فهو يعاني من البؤس والحرمان وشظف العيش الى حد الشعور بالمرارة من المأساة التي هو فيها . وكان المطرب والشاعر وأمير الغناء يسكن في دارٍ آيلة للسقوط تعبث الارضة في جدرانها وظل على هذه الحالة ولا مسعف له الى أن فارق الحياة .إن الملاحظ هنا أن معظم الفنانين ينتهون بنفس نهاية الطويرجاوي الا من يحتضنه أولاده أو أخوانه أو استطاع أن يوفر تحويشة العمر ليحفظ شيخوخته من الفاقة والحرمان ويعيش بمنأى عن تعكير صفو حياته في سنواته الاخيرة.أليس من الافضل انسانياً والواجب وطنياً أن يحظى هؤلاء الفنانون بتقدير الجهة الحكومية المسؤولة عنهم (اعلام، ثقافة) بتخصيص راتب تقاعدي مجزٍ يلم الشيخوخة ويحفظ ماء الوجه علماً أن الوجبة الأولى من المطربين الريفيين ناصر حكيم وحضيري أبو عزيز وداخل حسن شُملوا بالراتب التقاعدي بطريقة الضمان بالنسبة لناصر حكيم الذي كان راتبه التقاعدي(60) ستين ديناراً إن لم تخن الذاكرة وحضيري شكا أحد الأيام من قلة راتبه التقاعدي على الرغم من خدمته الطويلة حيث كان شرطياً منسباً للاذاعة.فرفقاً بالشيخوخة وحفظاً لماء الوجوه من أن يراق في آنية “ لله يا محسنين”.