المقاله تحت باب معارض تشكيلية في
27/07/2009 06:00 AM GMT
هل نملك الجرأة والعناد والقليل من الوقت ونقف، لنتأمل لوحة فنية، معروضة خلف زجاج جمعية التشكيليين في البصرة، حيث لا يجف الزيت سريعاً بسبب رطوبة الجو، ويسعى كل من فيها لأنتزاع لحظة بعيداً من الشمس الحارقة، وهل يعيدنا الزمن إلى العام 1969 حيث أقدم جيل من محبي الطبيعة والسماء الزرقاء والألوان على تأسيس الجمعية هذه، التي قدمت عبر تاريخها أسماء كبيرة تحتفي بلوحاتها غاليريات العرض في بغداد والبلاد العربية اليوم؟
في قلب العشار، مركز مدينة البصرة، وأمام قاعة عتبة بن غزوان، قاعة العروض الوحيدة في المدينة الجنوبية، التي يقطنها قرابة ثلاثة ملايين نسمة، أتفق اعضاء جمعية التشكيليين مع إدارة فندق «أور» السياحي على جعل جزءٍ من واجهة الفندق، واتخاذها صالة عروض فنية ومن القاعة مقراً لهم، بعد غياب طويل.
وفي ندائه للمثقفين، وربما لرجال السياسة يقول عدنان عبد سلمان أحد أبرز التشكيليين في المدينة اليوم: «من أجل ثقافة حرة.. وبجهود ذاتية، تبنّى اعضاء الجمعية التي تأسست عام 1969 مشروعاً ثقافياً، سياحياً هدفه افتتاح أول متحف وأول قاعة عرض في البصرة بعدما تجاهلنا كثر. نريد أن نؤسس نقطة للضوء. بعدما اتسعت دائرة العتمة».
ويحاول بعض الفنانين التشكيلين استعادة ماضي المدينة ولو من طرف الأطفال، إذ فتحوا ورشة فنية صغيرة، جلس فيها مجموعة من الأطفال يتلقون دروساً في الرسم والخطوط والألوان تطوع فيها فنانان تشكيليكان معروفان من أكاديمية الفنون الجميلة في جامعة البصرة (ياسين وأمي وصدام الجميلي) وبدأت المحاضرة الأولى في يوم ارتفع الغبار فيه مالئاً سماء المدينة.
ويقول نائب رئيس الجمعية حامد سعيد: «الفكرة ممتازة، وهي فرصة ممكنة للطلاب في العطلة الصيفية، وقد لاقت رواجاً لدى بعض أولياء الطلبة من الذين ما زالوا يفكرون مثلنا بمحاولة اخراج المدينة من خرابها الكبير. هناك من يفكر أبعد من التحصيل الدراسي والشهادة والنجاح، فقد فاجأني أحدهم ذات يوم حين جاءني بصحبة أحد أبنائه، ووقف طويلاً أمام بعض اللوحات، يشرح لأبنه بعض مفاصل العمل، عرفت انه من عامة الناس، يعمل ميكانيكياً في تصليح السيارات، وابنه متفوق في الدراسة، لكنه أراد تعليمه الرسم والموسيقى والفنون المسرحية: «ليس مهماً الحصول على شهادة عليا، المهم تذوق الحياة عبر الفن»، قال الرجل وحين ودعني أصابني الدوار، فقلت هذه المدينة عجيبة حقاً، هناك من يستحق أن نعمل من اجله.
لكن، يقول أحد رواد المعرض: غابت عن أذهان المؤسسين حضور أعمال كبار الفنانين المعروفين عراقياً وعربياً مثل إسماعيل فتاح الترك، محمد مهر الدين، فيصل لعيبي، صلاح جياد، علي طالب، هاشم حنون، وغيرهم ممن غادرو البصرة فضلاً عن أعمال رواد الحركة التشكيلية أمثال موريس حداد وسلمان البصري ومحمد راضي والنحات منقذ الشريدة وآخرين، وعدا اعمال الجيل الجديد من الفنانين لم تعرض أعمال اخرى.
ربما، لأن الجمهور المحلي لم يعتد مشاهدة معارض الفن بسبب أنشغاله في شأن الحياة اليومية أولاً، ولأن ثقافة صورية جديدة طرأت على الحياة هنا، طردت اللوحة من جدران البيت البصري.
ويذهب معنيون بشأن الثقافة إلى ان إيران تمارس عبر منظومة أفكار قصدية تخريباً واضحاً في الحياة الثقافية العراقية وفي الجنوب بخاصة، إذ عمدت خلال السنوات الست الماضية إلى إدخال مئات الآلاف من الصور السياحية تمثل مناظر الطبيعة مثل الجبال والسهول والحقول الخضراء ومساقط المياه فضلاً عن طباعة صور الزعامات الدينية الموروثة والحاضرة (العراقية والإيرانية) والمراقد والمزارات بما يعزز المكانة والقدسية لكل ما يطبع هناك، حتى عزف جمهور كبير من مقتني الأعمال الفنية عن شراء اللوحات وتعليقها على جدران منازلهم، بسبب التخوف من المتشددين مرة والخجل من الأقرباء والجيران مرة أخرى، حيث اقتصر اقتناء الأعمال على نخبة المثقفين.
|