حميد البصري:لم أخرج عن نطاق الأغنية الـعــراقـيــة شــكـلاً ومـضـمـونــــاً

المقاله تحت باب  في الموسيقى والغناء
في 
09/09/2008 06:00 AM
GMT



 يرى الباحث والموسيقى حميد البصري ان الأغنية العراقية المعاصرة نوعان ، الأولى اغنية الداخل وهي مقيدة بمفاهيم متخلفة واساليب قهر ظالمة . اما اغنية الخارج فهي تُجاري المجتمع العربي الذي يعيش فيه الفنان وتتماشى مع امزجة وتطلعات شركات الانتاج والفضائيات التي لا تهتم لمستوى الابداع بقدر اهتمامها بالاستعراض الرخيص للرقص ..هذا ما يؤكده البصري المولود في البصرة عام 1935 الذي بدأ حياته الفنية في البصرة عام 1955 حيث تعلم العزف على آلة العود على يد الفنان عبدالحسن تعبان ثم العزف على آلة القانون وكان عازفا في الفرقة الموسيقية التابعة لنادي الأتحاد الرياضي في البصرة . أسس مع مجموعة من الفنانين " نادي الفنون " وكانت أولى ثمار هذا النادي هي مساعدة الفرقة البصرية بتقديم أول أوبريت عراقي وهو (بيادر خير) الذي لحنه وقام بقيادته على المسرح

سجل له أول ثنائي عراقي بافتتاح التلفزيون الملون في بغداد أغنية (يا عشقنا) التي اشتهرت كثيرا مثلما اشتهرت قبلها أغنية ( اللول لوه ) وهي من أوبريت (بيادر خير ). حصل عام 1976 على دبلوم في الموسيقى العربية من تونس . ألّف خلال هذه الفترة عدد من المؤلفات الموسيقية لبرامج تلفزيونية وأغاني منوعة وموشحات. بلغ رصيد الفنان حميد البصري من المؤلفات الموسيقية والأغنيات والموشحات ما يزيد على الـ( 150 ) عملآ اضافة الى الأوبريتات الثلاثة (بيادر خير) و (أبجدية البحر والثورة ) و ( زنوبيا ). يعمل الفنان حميد البصري الآن مدرسا للموسيقى العربية وآلاتها في مركز الفنون في لاهاي_هولندا وكان لنا معه هذا الحوار:

* اصدرت كتاباً جديداً عن الاغنية الشعبية العراقية ، هل في هذا الكتاب شيء جديد يختلف عما طرحه بعض الكتاب في السابق؟
- إن كتابة النوتة الموسيقية للأغاني التراثية عملية معقدة وغير بسيطة ، لا يمكن لكل من كتب النوتة أن يكون دقيقاً في كتابتها . فالأغنية التراثية معرضة للإضافة والحذف من قبل مؤديها عبر السنين وحسب امكانات وذوق هذا المؤدي ، مما يعرض التراث لخطر التغيير . لذا فقد عملت في كتابي ( أغاني شعبية عراقية-مئة اغنية نصوص ونوتات ) على عمل دراسة مقارنة لكل أغنية من ثلاث مصادر في الأقل لاستخراج اللحن الأساسي من تلك المصادر ، من ذلك ، أخذ إكمال الكتاب مني سنوات طويلة قاربت الربع قرن . إن إعداد مثل هذه الوثيقة العلمية والمصدر المهم للتراث الموسيقي العراقي ، يستأهل هذا الجهد . وقد أضفت في الكتاب ترجمة انكليزية لمضمون الأغاني ليستفيد منه الباحثون والمهتمون من العرب والأجانب ، إضافة الى معلومات عن بعض خصائص الموسيقى العراقية ومجموعة من الدارميات التي يمكن استخدامها في الأغاني.

* لم تزل نكهة الشعر الشعبي المغنى في سبعينيات القرن العشرين عامرة في النفوس بكلماتها وأنغامها، فيما غابت وتلاشت تلك السمات في الوقت الحالي .. برأيك ماسبب ذلك؟

- انت اعلم بالواقع العراقي الذي نعيشه في العراق والذي يهمل الثقافة والإبداع ، بل يحاربهما ، فكيف نتوقع أن ينتج هذا الواقع ابداعاً على مستوى الغناء ؟ هذا إضافة الى الهجرة الاضطرارية للمبدعين العراقيين الى خارج بلدهم وعيشهم الغربة القاسية .

* لكن طاقات فنية كبيرة داخل العراق لم تجد فرصتها الى الان ؟
- هذا صحيح ، فالظروف الحالية غير مواتية لأبداع الطاقات الفنية في الداخل ، إضافة الى عدم تشجيع المسؤولين وتهيئة الفرص لهم ، لا بل أن هناك من يحارب المبدعين ويضيق الخناق عليهم .

* نكهة اللحن العراقي في السبعينيات متأصل في مسامع وذاكرة العراقيين.. هل استطاعت الاغنية المعاصرة الثبات عند المتلقي العراقي على حساب الاغنية او اللحن السبعيني؟
- الأغنية العراقية المعاصرة نوعان ، الأولى اغنية الداخل وهي مقيدة بمفاهيم متخلفة واساليب قهر ظالمة . اما اغنية الخارج فهي تُجاري المجتمع العربي الذي يعيش فيه الفنان وتتماشى مع امزجة وتطلعات شركات الانتاج والفضائيات التي لا تهتم لمستوى الابداع بقدر اهتمامها بالاستعراض الرخيص للرقص .

* اين تجد نفسك بين هذين النوعين من الغناء ؟
- بالنسبة لي كملحن لم أخرج عن نطاق الأغنية العراقية شكلا ومضموناً لأني لم ابتعد يوماً عن واقع شعبنا العراقي لذا كانت كل اغنياتنا عراقية صميمة .

* مسحة الحزن العراقي الطاغية على اللحن والموسيقى والاغنية العراقية هل هي امتداد للحزن السرمدي النابع من واقعة الطف في كربلاء على ارض العراق؟
- لو استعرضنا تاريخ العراق ، قديمه وحديثه ، لوجدنا أن المصائب والكوارث تتوالى عليه، مما يؤثر ، شئنا ام ابينا ، على شكل الغناء وطابعه الحزين . فالطفل العراقي يبدأ سماع صوت امه منذ الرضاعة الى ترنيمة ( دللول ) الحزينه ، ليشب فيرى الفقر والعوز ( عدا القلة ) وعندما يكبر يعيش القهر الاجتماعي والسياسي . كل ذلك له تأثيره وانعكاساته على الغناء . وكان أملنا بعد سقوط النظام الدكتاتوري المتخلف عام 2003 أن تنطلق حناجر المغنين بأغاني الفرح والبناء للعراق الجديد ، لكن ولكن ولكن ...

*ماذا يمثل العراق لكم في منفاكم ونشاطاتكم؟ وهل نراكم قريباً في العراق؟
- العراق بالنسبة لنا هو الهواء الذي نتنفسه كل لحظة ، ولم يغب أهلنا وشعبنا عن بالنا يوماً منذ مغادرتنا العراق الحبيب قبل ما يقارب الثلاثين عاماً ، وكانت أغنياتنا طوال هذه الفترة ( أغاني فرقة الطريق ) تحكي عن الغربة والشوق للوطن ضد الطغاة المستبدين الذين سلبوا الوطن ونهبوا خيراته وابقوا الشعب في ظلام الفقر والتخلف .
والآن ، نرفع صوتنا عالياً ، أما آن لهذا الظلام أن ينجلي بعد أن انزاح ظلام الدكتاتورية ؟ علّ أن يسمعنا السياسيون الجدد ، أتمنى ذلك .
إنه الحلم الذي يراودني وأتمناه طوال بعدي عن عراقنا الحبيب ، ولكن ، قل لي ماذا يمكنني أن أقدم للعراق وأنت أعلم بالواقع ؟ وكما قلت سابقاً وأقولها الآن : لا أرغب أن أذهب الى وطني سائحاً أو لألتقي بأهلي وأصدقائي الذين أشتاق لهم كل لحظة ، وأنا من كوّن نفسه وطور امكاناته لأخدم شعبي ووطني. فليعذرني كل من أحبهم ويحبوني على هذا الموقف . أريد أن اساهم في بناء الانسان العراقي من الجانب الموسيقي ولدي أفكار وخطط قصيرة وطويلة الأمد ، فهل يتحقق لي هذا الحلم؟ هذه امنية أخرى .

*اين اغاني فرقة الطريق من الشعب العراقي والذائقة العراقية الان ؟
أغاني فرقة الطريق كثيرة ، بعضها ذو مضمون انتهى دوره لأنها كانت تحريضية ضد الحكم الدكتاتوري الصدامي المقبور ، وهناك الكثير من الأغنيات الأخرى التي تناسب المرحلة الحالية ولكن ، من يتبنى تسجيلها ؟ هذا هو السؤال .

* ماذا بعد فرقة الطريق؟
- مع معايشتنا الواقع العراقي ، مستمرون بتهيئة أغان جديدة تناسب المرحلة ، ونحن ننتظر الفرصة لتسجيلها وعرضها في الفضائيات العراقية التي ترغب في ذلك .