المقاله تحت باب مقالات فنيه في
21/07/2010 06:00 AM GMT
بغداد - ستيفن لي مايرز
ترجمة - عبد علي سلمان ما تبقى من مجموعة "مركز صدام للفنون" وهو المؤسسة التي كانت تضم في السابق الاعمال الفنية العراقية في القرن العشرين، تم تكديسه في 3 معارض معتمة قذرة في المبنى الفخم السابق الذي يقع في شارع حيفا وسط بغداد. وما تبقى من البناية التي كانت معروفة سابقا بمتحف الفن الحديث بات اليوم مكانا لمكاتب ومهاجع محصنة بالطابوق والأكياس الرملية والأسلاك الشائكة ومغلقة أمام الجمهور. ويجري خزن مئات الأعمال في مخزن حار مُترب يقصده موظفون شغوفون بالفن لكنهم منهكون من الإحباط. والكثير من الأعمال هناك أصابها التلف. وكل الأعمال راحت تبهت بسبب الأوضاع الخطرة والخزن العشوائي، ابتداء من الحرارة وصولا إلى الجهل الرسمي بأهمية هذه الأعمال، هذا إن لم يكن الأمر في جزء منه يعود على الأقل إلى الجهل بالتراث الفني. وهذه حال مجموعة الأعمال العراقية الفنية الحديثة. وقد تم إبدال اسم المركز عام 2006 ليكون "المتحف الوطني للفن الحديث" لكنه حتى الآن مجرد فكرة. وكل ما موجود يرجع فضله لجهود مجموعة من المسؤولين وأمناء المتاحف والفنانين الذين ناضلوا في سنوات الحرب لإعادة بناء ما كان، لأنه يعد سجلا حافلا لنهضة فنية تغطي قرنا من الرسم والنحت بأساليب متحررة استلهمت الحركات الفنية العالمية وصاغتها بمشاعر عراقية عربية. ويقول النحات طه وهيب الذي انضم إلى "اللجنة الشعبية للفنانين" وهي منظمة غير حكومية تكرس المال والجهد لاستعادة المجموعة التي كانت في المتحف وسرقت بعد أحداث نيسان 2003 إن هذا "ليس جزءا من تاريخنا فقط، إنه جزء من تاريخ الانسانية". وحال هذا المتحف مثل حال المتحف الوطني العراقي الأكثر شهرة، فقد نُهب وسلبت محتويات بنايته بعد انهيار نظام صدام حسين. لكنه على عكس المتحف الوطني، الذي أعاد افتتاحه رئيس الوزراء نوري المالكي وسط ضجة إعلامية السنة الماضية، لايحظى إلا بالقليل من الاهتمام والدعم المالي من حكومة البلاد المناضلة الجديدة ومن المتبرعين الدوليين. وتقول ندى شبوط الاستاذة العراقية – الأميركية في تاريخ الفن في جامعة شمال تكساس التي كتبت عن الفن العراقي بشكل واسع "إننا ننظر إليهم كماض غابر، شيء ما قد مات مقابل شيء ما حي". وبعد 7 سنوات من الحرب التي ابتلعت العراق، فإن إرث العراق الذي تسميه الأستاذة شبوط بقايا فن حي؛ لا يزال مهملا ومنسيا بشكل كبير. والمؤسسة التي كانت تنظم المعارض الفنية للفنانين العرب أصبحت قوقعة أو مجرد هيكل لمتحف، وأهملته الحكومة التي تكافح لتوفير خدمات أساسية مثل الكهرباء ناهيك عن الأمن. وكانت موجودات المتحف من الرسوم والأعمال النحتية البالغة 8 آلاف قطعة، قد نهب منها 7 آلاف خلال 3 أيام من الفوضى. وحتى الآن فإن النحات طه وهيب يمزقه الألم عندما يتذكر ما جرى. ويقول "عندما ترى ثقافتك وتاريخك يدمران بهذه الطريقة وسواء أكان الأمر متعمدا أم لا"، ثم توقف وكان صوته يتهدج "ما رأيناه في الشوارع كان أمرا مفجعا". وفي الشهور التي أعقبت السلب بدأت موجودات المتحف السابقة تظهر في الشوارع والأسواق يعرضها للبيع عراقيون مستميتون للحصول على النقود. ويقول السيد حسن قصي أحد مديري المتحف "لم يكن لديهم فكرة عما أخذوا".وبغض النظر عن قيمة الأعمال الفنية فإن "اللجنة الشعبية للفنانين" وبعض أعمالهم معلقة في المعرض، بدأت بشراء ما يمكن شراؤه. وقد دفع السيد وهيب ما يعادل 100 دولار لشراء تمثال خشبي للفنان جواد سليم أحد فناني العراق الحداثويين البارزين. والتمثال يُسمى "الأمومة"، ويجسد شخصية تحمل قلبا على رأسها، وما هو مفقود الآن من التمثال هو القلب فقط. وقد أخفى السيد وهيب المنحوتة لسنوات في مكان رفض تحديده حتى قرر أن الوضع بات آمنا لكي يعيدها وهو ما قام به في السنة الماضية. وتمكن الفنانون في السنوات التي مرت من جمع أكثر من 400 عمل فني. لكن سوق النهابين التي ملأت شوارع بغداد وكانت تقام في الهواء الطلق أحيانا، تبخرت في النهاية وأصبحت سرية. لكن بعض الأعمال المنهوبة وقعت في أيدي قادة سياسيين وجامعي تحف ومنهم أحمد الجلبي، السياسي الشيعي البارز، الذي اشترى 3 اعمال منها على الأقل، حيث يعلقها في بيته ولم يعدها بسبب شكوكه حول مصير المتحف. ويقول الجلبي "أتمنى لهم النجاح، لكنهم بحاجة الى جهد أكبر". ويقول الفنان قاسم سبتي صاحب قاعة حوار ومن مشجعي الفن الذي دفع 8650 دولارا أميركيا لإعادة 34 عملا فنيا منهوبا "بمال أكثر يمكنك وبشكل هادئ أن تجد وتشتري أعمالا أكثر، لكن وزارة الثقافة لا تقدم شيئا". وأعاد سبتي الأعمال التي حصل عليها، الى المتحف السنة الماضية، لكنه وبعد أن علم أن واحدة من المنحوتات وُضعت في رواق قرب المرافق الصحية، فإن أفكارا أخرى تساوره الآن إذ يقول "عزيزي لقد خسرنا بلدنا، لقد خسرنا ثقافتنا". وفي الأسبوع الماضي عثرت الشرطة، بعد معلومات من المتحف، على 12 لوحة في شقة بمكان قريب ومنها أعمال للسيدة لورنا زوجة جواد سليم، وأعمال لأخته نزيهة، وأعمال للفنان تركي عبد الأمير. وقد أصر سكان الشقة على أنهم لم يعرفوا أن الأعمال الفنية تخص المتحف ولم يعترضوا على إعادتها. وقد بدت الأعمال في حالة أفضل من تلك التي في المتحف. وقد هُرب العديد من الأعمال إلى خارج البلاد وبيعت علنا. ويقول طاهر حمود وكيل وزير الثقافة "لقد أكدنا المعلومات التي مفادها أن الأعمال التي أُخذت من متحفنا هي الآن بحوزة أمراء وشيوخ في المنطقة". ويرى مدير مكتب الشرطة الدولية "الانتربول" في العراق، إن سجلات موجودات المتحف دمرت أثناء النهب، وهوما يُعقد جهود تحديد الأعمال المنهوبة في الخارج وصياغة مطالبة قانونية لإعادتها. ويقول إن "هذه القطع لا توجد عليها أختام، والكثير منها عليها دمغة (م) أو (ص) ومعناها مركز أو صدام، وليس هناك اسم الفنان، ومن دون عنوان أيضا، وعند الوصول للمجموعة فإن الأمر في غاية الصعوبة بالنسبة لنا". لكن مدير الانتربول يعترف بأن الجهد الدولي في البحث يركز تقريبا على التحف الأثرية التي تعود للعصور القديمة التي سُلبت من المتحف الوطني، وعلى ما يسلب الآن من المواقع الأثرية في شتى أرجاء العراق. وحتى عند افتتاح متحف الفن الحديث باسمه الجديد فإن وزارة الثقافة شغلت 5 طوابق من بنايته وملأت الفراغات في قاعات العرض بالمكاتب. ويقول وكيل وزير الثقافة إن الوزارة تتمنى أن تحظى بمكان استقرار دائم وتعيد البناية الى المتحف. لكن الامر لن يكون قريبا. وفي هذا الوقت يعرض موظفو المعرض 200 عمل من أصل 1500. ولا يأتي العراقيون العاديون لمشاهدة هذه المعروضات. وحتى مع ضياع الكثير، فإن المجموعة المتبقية توضح مراحل الحداثة الفنية في العراق. فهناك اللوحات الأكاديمية في بداية القرن العشرين لعبد القادر الرسام، مرورا بإبداعات فناني الطليعة المعروفين بالرواد في أربعينيات وخمسينيات القرن المنصرم مثل فائق حسن وأكرم شكري وحافظ الدروبي. ولربما يمكن تفهم ألا تُعطى إعادة المتحف أولوية مقدمة ضمن مشاكل العراق التي لاتُعد ولا تُحصى. لكن مدير المتحف سلام عطا صبري يتذكر مدة ازدهرت فيها الفنون والثقافة ويقول إنه من دون تقدير الثقافة والفن فإن البلاد لن تكون مكتملة حتى بالديموقراطية والحرية. ويتابع "نحن لم نطور العراق الجديد حتى الآن". وقد أصبح صبري، وهو فنان، مديرا للمتحف عام 2009 بعد عودته من الأردن. وارتباطه بالمتحف ارتباط شخصي، فوالده الفنان عطا صبري كان أحد الرواد. وفي المخزن شديد الحرارة أبرز إحدى لوحات والده وكان قد عثر عليها محطمة. ويقول "أشعر بالحزن ليس كفنان فقط.. ولكني حزين لتراث هؤلاء الفنانين الرواد. إنه يعود لتاريخنا وشعبنا. إن قلبي ينزف".
عن نيويورك تايمز
|