الوجود الشيئي وجمالية ( الفعل ) النقدي التشكيلي

المقاله تحت باب  محور النقد
في 
19/03/2008 06:00 AM
GMT




 
 
الوجود الشيئي وجمالية
( الفعل ) النقدي التشكيلي
 

 الحديث عن جمالية النقد حديث شاق . على الاقل بالنسبة لفنان وكاتب . وبمعنى اخر فان الاشكال الرئيسي في ذلك يعود الى مدى التباس رؤيتي الفنية برؤئيتي النقدية فانا كرسام ارسم في سباق الفن ما بعد التجريدي (1). او لنقل في سياق التجريدية- اللاشكلية (2) (( وهي تيار معاصر يبدو انه استطاع ان يؤلف ردة الفعل (3) على التجريدية- الهندسية وفن

(البوب ارت) . فهل استطيع ( كناقد) ان اكون بدوري تجريديا-لا شكليا . صحيح اني افهم العلاقة ما بين (الابداع) في فن الرسم والابداع في حرفة النقد ذات المنحى المعرفي (او التحليلي على الاقل- تحليلية مورور او موضوعية ويبر))   هي علاقة (متضادة) . بمعنى ان عملية التعبير الفني تبقى عملية بنائية . تركيبية . تقتضي تجاوز (4) المستوى الانجازي . والى ما لا نهاية (( راجع معنى التجاوز في كتابنا . الحرية في الفن ( 1975))  تماما على الضد من عملية النقد التحليلي ( وحتى النقد البنيوي ) فهي عملية تفكيكية (5) بالاساس اي انها تواجه النص (6) الشيئي للعمل الفني . باعتباره (موضوع) النقد الرئيسي . لكن الا يصح ايضا من قبيل خلط الاوراق . ان يناقض النقد ذاته ليصبح بناء . او الا يصح باعتباره انجازا قابلا بدوره ان يكون موضوعا نقديا من وجهة نظر ( نقد النقد) . هنا وفي صميم هذا (التقاطع) ما بين الرؤية الفنية (التجاوزية) والرؤية النقدية ( التخلفية) او ( ضد التجاوزية) (7) تنعكس عند (مشارف) قناعة تأملية تستطيع ان تحقق تبادل المواقع بين كل من الفنان والمشاهد والعمل الفني ( راجع مقالنا في مجلة فنون عربية عدد,7, ولنقل – ان ايصال مشكلة الابداع الفني بمعناها التراكمي او ( الاكسائي) وكسباق مستقبلي في مجال الاكتشاف والكشف عن الحقيقة . بوسائل ومعطيات مكانية (8) تلتقي بمشكلة (التحليل) بمعناهاالتفكيكي الاني . ام لم نقل الماضوي ( البحث على انجاز سبق انجازه ) . وهكذا يصبح لمثل هذا المنظور اهمية ان اتبادل موقعي . انا الفنان مع المشاهد . اي ان ارسم كما يرسم هو (كطفل . كرجل شارع . كمراهق- كفكرة الخ ..) مثلما يصبح بالمقابل دوري كناقد هو دور الفنان في تأليف الانجاز النقدي . وكان هذا الانجاز لوحة متكاملة ( كرسام كروائي كأثاري..) وهذا ما سبق ان حاولت تحقيقه فيما مضى (الماضي القريب) : والان فان ما احاوله هو نقل مشكلة العلاقة بين الفنان والمشاهد من جهة . والناقد و الفنان من جهة اخرى الى حقل معرفي جديد هو حقل العلاقة بين الفنان والعمل الفني )) (- النص) . وبين الناقد والعملية النقدية ( الانسان والأثر النص) حيث يبقى مؤلف النص الفني عنصرا هامشيا . في حين يحتل النص القيمة لا كبديل عن الفنان بل كعالم مستقل.  ان معنى الالتباس . الذي نوهت به في بداية المقال . يتأتى هنا من صعوبة التمييز بين العمليتين الفنية والنقدية عند هذا المستوى الذي يتقاربان فيه الى حد التفاني ( اي فناء كل في الاخر) فحينما احاول النظر الى رسومي من منظور ( تعروي- تراكمي) ( من كلمة تعرية او تحات من علم الجغرافيا الطبيعية وكلمة تراكم في معنى العالم ) او من خلال علاقتي ياللوحة . هي الكائن المستقل . مجزوء العالم المحيطي . بعد ان حاولت ان ابنيه بناءا جديدا كما تتحدد العلاقة بين البيت او المسكن من الطبيعة كمسترح له. اقول- حينما احدد الان علاقتي ( بشيئية ) العمل الفني عبر اللوحة وفق هذا النهج . فلكي احدد تماما معنى الجمال المتضمن لهذه الشيئية دون ان يكون الجمال قد تحجر من مزاعم ذات نبر( نسبي) تتقاسمه المستويات الثقافية التي انتقل فيها اثناء التعبيرات المتعددة عبر الانجاز (9) سواء اكانت تلك التعبيرات (10) فردية ام اجتماعية ام اقليمية عالمية . وفي هذه الحالة فلن يحجبني عن هذا الجمال حاجب .. فالالوان ازائي تظل ماثلة . لا كخامة لونية فحسب بل وكبنية او محيط لا نستطيع ان نفصلها عنه . اي كسماء زرقاء ( كفضاء يستطيع ان يببدو (ازرق) او ( ارض ذات لون ترابي يكون التراب قد استخدم في اقتباسها ) وليس كمجرد (خشبة زرقاء) او جلد مدبوغ احمر اللون ) مثلا . وانا ازاء عالم اللوحة ذات البعدين اكثر من ان احس بها كمجرد سطح تصويري مرمي امام ناظري فهي ( موجود)  له حياته الخاصة منذ انجازي لها لانها مشروع لا ينتهي . ذاتها بذاتها لتتوحد في معرض او صالة او متحف . وحتى لتتطور تقنيا كأن تتبدل الوانها ( او تتشقق بسبب القدم) او تعتم بسبب تراكم الاتربة عليها الخ.. اما بالنسبة للنقد الفني فهو اليوم عندي ( يتجلى) عن كونه اكثر من ان يخاطب به جمهورا معينا . او اشير بواسطته الى مشاكل فنية او اثير مسائل قابلة للبحث والتقييم . انه مجرد ( موقف) تأليفي من ( نص) يستطاع اعتباره كائنا قابلا للقراءة فحسب . او ان الموضوع النقدي لن ( يتكلس) على ذاته ليصبح (خطابا) . فهو تعبير عن فطرة او بديهية تتحدث عن نفسها بنفسها . ومثل هذا التلبس بشيئية النص النقدي من قبل الناقد هو ما يستطيع ان يمثل اخيرا معنى النقد كبحث عن جمال المطلق . فالجمال كظاهرة ثقافية وتقنية تحتكم في الواقع الى كينونتها البديهية . اي الى – ان ما نراه جميلا لا ينفصل ابدا عن كونه قبيحا . فالقبح والجمال يظلان من قبيل ( الاحكام ) او التقييمات التي تصدر عن (ذات ما) هي في حوار مع الاخر .- الشيئ الاخر او الاخر الشيئ . ومن هنا يبدو انها مجرد ( مؤشرات) انية . لا نستطيع رصدها الا من خلال الذات . اما من الناحية الموضوعية فانها لا تعدو ان تبدو ملازمة لنقطة الالتقاء بين (مرسل) و (متلقي) . هما كل من الانسان والعالم المحيط . وبكلمة اخرى فان الحوار النقدي بين الناقد والفنان والمشاهد اضحى من مثل هذا المنظور حوارا بين الرائي والمرئي . او بين المشاهد واللوحة . لا المشاهد والفنان الذي ساهم في انجاز اللوحة . وبين قاريء المقال النقدي والمقال . وليس بين القاريء ( او المستمع) والناقد . هنا اذن . يصبح معنى الجمال ملازما بل منتهيا بالوجود الشيئي . فهو نتيجة التقاء قطبي حوار في نسيج النص الشكلي النقدي حيث استطاع الانسان ( كفنان او ناقد او مشاهد ) ان يتلبس احد هذين القطبين . وباختصار فان اكتشاف الانسان ( ذاته) عبر (موضوعية الوجود الشيئي للنص المؤلف ) هو اول بارقة من بوارق الشعور بالجمال (( الا ان هذا الاكتشاف لا يتناقض وان تتصور عملية الشعور بالجمال (كسيمولوجيا  او علم اشارات يتعارف عليها المتحدث والنص الموصوف بالجمال عبر ( علامات) تبدأ من داخل شيئية الذات لا من خارجها.
 
 
الوجود الذاتي الجمالي
 
  مثل هذا الاستطراد بالطبع ينتهي بنا الى معنى ( الدلالة الجمالية) في النقد . انها دلالة تنتهي اما الى ( توافقات) او ( تنافرات) ذات كيان ( علاماتي) بمقدار ما تترابط ( الدوال)  وتترامز مكونة شفرة (10) يستطاع ( التقاط ) فحواها ( او لا يستطاع ) فالايقاع الاشاري هنا يفترض ( توظيف ) هذه الدوال كطرف مقابل من حوار ينتقل فيها المجال السيميائي من عالم الشيئ المرئي الى عالم اخر يجمع ما بين الرائي والمرئي . فالجمال المطلق الان ليس هو ذلك الاثر الموضوعي الذي تم انجازه عبر حوار تم مسبقا بين فنان وعمل فني . بل هو حوار جديد يصبح فيه ( المشاهد) عنصرا متمما للعمل الفني . وما هذا المشاهد سوى ( علامة) تمثل حضور الناقد نفسه بالذات في جوهر الاثر . او على العكس من ذلك تمثل مدى حضور النص النقدي ( بعد ان كان نصا فنيا فحسب ) في عالم الناقد .  ومن هذا المنطلق يستطاع اعتبار العمل الفني مجرد (اثر) كالذي يتكرر مرات على واجهة جدار ( بل في جدار ) او على بقعة ارض . والمسألة ( النقدية ) الان تخرج بالطبع عن حدودها التقليدية . وهي تلك التي يبقى فيها موضوع النقد ( النص لذاته ) دون امكانية استحالته الى وجود مكاني او زماني ولو يشكل استعاري للحقيقي او مقارب للحقيقة . فهنا يمكن للناقد ( عبر المشاهد او لذاته او عبر الفنان وهو في حالة نقد انجاز فني ) ان ينسب البيئة المحيطية او المعمارية ( جدار. كهف . غرفة . الخ..) او على العكس من ذلك . اي ان ينسب الرسم الى الجدار او المنحوتة الى الصخرة او للعمود .  وما الى ذلك على ان حضور النص النقدي ازاء الناقد جنبا الى جنب في الطقس الجمالي (المميز للجميل عن سواه ) يصبح بعد الان حضورا معليا للانسان في حوار مع (نص) لم يكتمل بعد جماليا الا بذلك الحضور . فكما نطلب . اولا معاملة النص كحالة يتعارض فيه وجود النص مع العالم فهو الان يعامله لتمييز ما هو جميل عما هو اقل جمالا ( قبيح ) . وهكذا يصبح البحث عن الجمال المطلق في النقد محاولة لتجاوز تحقق نسبية التقييم الجمالي في العمل الفني . واعتباره ( اي اعتبار النقد) حضور الانسان ازاء النص في مناخ الوجود الشيئي هو ( البيئة المتضمنة لمعنى الوجود التلصيقي من (11) . لواقع نقدي جديد يضحى بامكانه استيعاب الجمال المطلق في النقد . اي جمال معنى اكتشاف التناسق . وقد يكون الاحباط في هذا الاكتشاف . كعملية حوارية مكوكية تنجز بين الانسان والنص .   نحن اذن . في وصف الوجود الذاتي للجمال المطلق في النقد انما كنا نحاول ان نميز عملية التلصيق (( العملية الجمالية التي نستطيع نسبتها الى معنى اللغة الماورائية ( الورا- لغة على حد تعبير . امبرتو ايكو. وايزاببيلا بتزيني . شارحا لرأي زونالد مارت . يقول امبرتو ايكو فالورا لغة هي لغة تحتوي على المستوى التعبيري . لغة اخرى تملك بدورها تعبيرا ومحتوى خاصين بها . ( راجع نص المقال المذكور مترجما في مجلة بيت الحكمة الخاص بجان باجيه ص 117) فما نعته رولان بارت . بتعبير امثيرتو ايكو( بالورا لغة ) هو الوجود التلصيقي نفسه لكل من الناقد والنص . وهو وجود مقارب لمقتضيات استلهام الحرف في الفن التشكيلي ايضا . او بمعنى ( التضمين). الذي يرد في نفس المصدر السابق-. تضمين. عندما تعبر عناصر لغة ما – عناصر سبق لها ان حملت بتعبير ومحتوى تعييني . دون ان تفقد قدراتها التعيينية ومن خلال تواضعات متنوعة عن دال ومحتوى اضافي . اي عن المحتوى المتضمن (12) ( ص118) . حيث يلعب المحتوى اللغوي لمعنى الحرف او الكلمة المدونة دوره كمضمون اضافي في المحتوى التشكيلي السابق عليه . هنا عند معنى التضمين سيلحق ( النص النقدي بالناقد ) او يتمحور في لحظة انصعاقه اي انصقاع الناقد بالعالم الذاتي . فما كان يتم ( تلصيقيا ) عند انتماء الناقد للنص يتم الان استلهاميا عند انتماء النص للناقد ( حيث يستطيع اي مشاهد للنص الفني ان يستبدله بالنص النقدي كتصور تقييمي ينطبع على ذاكرته اثناء عملية النقد) .
 
 
الفعل النقدي والجمال المطلق
 
الواقع ان عملية استحضار الوعي الجمالي يتلاشى فيه التمييز الشكلي بين الجمال او القبح هي الان ادراك اني ( لمتغييرات) تقييمية اعتباطية او عفوية تستقطب لحظة الانفعال او التلقي وهو في كينونته الايجابية حيث ( الاثر) الفني لا يبقى متمركزا باللوحة او المنحوتة . بل ملكا  مشتركا منبثقا من العالم والانسان في نفس الوقت .  ففي هذه اللحظة التي توازي ما يحدث في عمل فني كالذي شرعه جاكسون بولوك (( من المعروف عن هذا الفنان الكبير جاكسون بولوك ( 1912-1956 ) انه كان يرسم لوحاته وهي ملقاة على الارض فهو يمشي عليها ليسقط الالوان فيحقق بذلك وجوده في العمل الفني ( كفعل) انساني محيطي في نفس الوقت )) حيث يتحقق انتماء الانسان بوعيه للنص . يتحقق فناء المشاهد بالنص وبالعالم وربما على المستوى البعيد ايضا بالفنان . ثم ان في غمرة هذا الفناء يتم استيعاب الجمال المطلق وكأنه موقف الفاني عن( ذكر) الله في الله . او موقف البوذي في ( النرفان) . واليوجي في ( السماد هي ) . ولكنه سيظل في جميع الاحوال موقفا نسبيا ينفرد فيه الانسان ( بذاته المتصلة بالنص ) فلكل ادراكه ( السري) بالجمال وهو ما يتكامل بواسطته معنى التقييم النقدي . وهو تقييم لا يحتكم فيه لغير لحظة الالتقاء بواقع تتعطل فيه ( القابلية ) على تبرير الجمال بصورة منطقية . فاذا سألت هذا الناقد الشهودي – لم هذا العمل الفني جميل او لم هو اجمل من سواه . لم يحظ منه بأي جواب مقنع . او جوابه سيكون – لانه يعجبني فحسب . وهي لحظة يفنى فيها المتأمل عن الاخر لانه يجد نفسه منجذبا اليه. متلاشيا فيه . فهو لا يدرك ذاته بمعزل عنه . او انه ( يتموضع ) واياه وما ذلك الا لانه ادرك الجمال المطلق الذي لا يفهم عن ادراك مسبق او تفسير سبق لنا الالمام به . لانه يتولد في الحظة اشراق ذهني لا يستطاع الاستنارة بها الا عن طريق الصدفة . اي عفوية التقاط العالم المرئي من قبل الزمني او عفوية اكتشاف عالم داخلي داخل العمل الفني . وهو ( متمظهرا ) يذاته الخارجية . وهذا ( الانزياح ) عن الذات . سواء من قبل الناقد ( بشتى مستوياته النقدية) والنص هو الذي يحقق موضوعية التأمل . فكان ما كان من وعي سريع وحاسم ( بلحظة ) تساوت فيها معاني الجمال والقبح وفق ( المعايير) النقدية المألوفة – انه الوعي المعرفي . وهو في اوله . او عند مفارقته نحو تشكله الجديد – (( لقد وطنت نفسي كمكتشف للجمال في الفن . وليس النقد على هذه المعرفة متتبعا المنهج الواقعي . واقعية الجهل عن درك الادراك لا واقعية الادراك . ففي غمرة الفعل يغيب كل شيئ ما عدا تلك البقعة او لحظة التقائي باللوحة . التفاني . انا الذي اصبحت في اهاب ( انت) . اي كوني ارسم بيد ( طفل . او رجل شارع . او اي كائن من كان ) وهذا ما يمكن ان يحدث في النقد من اجل الجمال المطلق . حيث على الناقد ان يحقق مثوله امام اللوحة . او اي اثر فني اخر بمعزل عن كل خبرته وثقافته التي هي في حقيقتها تمثل حضور خبرات وثقافات الاخرين . مستعيرا بدلا عنها عفوية  تقييم حسي او غريزي . بل ربما هو تقييد ( لفعل انعكاسي) فحسب . فههنا فحسب يصبح ( الفعل ) النقدي ممثلا ( لبديهية) الاحساس وفطرة الوجود الشيئي.