ناظم الغزالي ... فيلسوف الغناء العراقي

المقاله تحت باب  في الموسيقى والغناء
في 
16/09/2009 06:00 AM
GMT



فنان جاء به القدر في ذلك اليوم التاريخي في منطقة الحيدر خانة في عام أختلفت المصادر بين عام 1921 وعام 1923 ، فهو ميلاد إنسان النغم الذي لا يموت هو ناظم أحمد غزال ، الملقب بناظم الغزالي ، طفل صغير جرحه الزمن ببلاغة وهو في السابعة من العمر سرقت منه قوانين الطبيعة أمه التي لم يشبع من حضنها الدافئ ولم يرتوي من قبلاتها ودعائها وحنانها الذي لا يعوضه أي حنان ، وأخذت منه أيضا والده الذي يلفه من تلك الرجفات التي يمر بها الأطفال بذلك الإحساس من أدنى ظلمة ، يتيم فاحتضنته مواهبه لترعاه وتعوضه فقدان العائلة ، عاش في بيت عمه الحاج محمود حسن الغزالي وله الفضل الكبير في تربيته منذ نعومة أظافره .


 

الغزالي الجريح الذي يحمل الألم ببسمة رياء أمام الآخرين ، فراح يعالج جرحه بمتنفس فنه الواعد المؤثر وصوته النادر ، فغنى الألم الأول في أحلى إحساس بتلك الكلمات المؤثرة التي تقول :

أتدري لماذا يصيح الـديك صائحــا يردد لحن النوح في غرة الفجـر

يقول لقد مــرت مــن العمر ليلة وها أنت لـم تشعر بذلك ولم تدر

وبعد أول نجاح أخذ يغني ليس بصوته فقط بل بإحساسه الكبير ، توالت أغانيه بشكل منتج وصار يتطور يوما بعد يوم ، فهو دقيق باختياراته للأعمال التي يؤديها ، كذلك دقيق في اختيار الكلمات التي تحمل أفكاره المتطورة ، فيقال أن الغزالي كان من الفنانين المثقفين جدا والمجددين في مهارات الفن السابق لمهارات التحرر نحو فن مقبول يتماشى مع ذهنية المتلقي ومتبدلات الحياة المستمرة ، لذا أخذه الجمهور العراقي ثم العربي بتقبل سريع وأدرك فنه الرفيع بعناوين تعالج حزنه الدفين إلى فن جديد كله إحساس يرش به على كل الناس ليشاركوه نشوة النجاح المشترك ، وهذه من أهم الأسباب التي صممت بصمة الغزالى في أجمل سطر من صفحات التاريخ ، فهو خلوق بحجم فنه العالي ، فكل الآراء ممن عاصروه يتحدثون عن سلوك هذا الفنان داخل وخارج العراق ، ويتناولوه بأحلى الوصف فهم يسردون العشرات من قصصه النبيلة المملوءة بسخائه وطيبة قلبه ، نعم الغزالي اليتيم غنى العشرات من أحلى القصائد والزهيريات منها :

عيرتني بالشيب وهو وقـار ليتها عيرت بما هو عـار

إن تكن شابت الذوائب مني فالليالي تزينها الأقمــار

ومن زهيرياته في مقام المدمي ..

يا دمعة العين هلي بكل وكت وأنسلي

ويا روح ذوبي على فراك الجفو وانسلي

آني شمعتي انطفت جانت ضياء وانسلي

تذكرت وأنا أكتب هذا الرمز التاريخي الموسيقار سالم حسين الأمير فهو الوحيد من الموسيقيين الأحياء الذين رافقوا الغزالي أطال الله بعمره ، فاتصلت به هاتفيا إلى خارج القطر فهو يعيش خارج العراق حاليا وطلبت منه بعض ما لديه من المعلومات عن هذا الفنان فقال لي: على الرحب والسعة ، توجد الكثير من المعلومات ولكني سأعطيك نقاط رئيسية ومهمة منها :

فقلت : تفضل أستاذ ..

قال :-

"ناظم الغزالي فنان عشق الغناء منذ طفولته وكان نجما في أحياء حفلات المدرسة بكل المناسبات ، دخل معهد الفنون الجميلة في قسم المسرح ، ولكنه أنجذب للموسيقى والغناء التي وجدها طريقه الأمثل ، غنى أول مرة في الإذاعة والتلفزيون عام 1948 ، وعين عضوا في فرقة الموشحات التي كان يديرها الشيخ علي الدرويش ، سجلت له العديد من الشركات منها الجقمقجي لعدد كبير جدا من الاسطوانات لأعماله ، سجل أغاني عديدة لإذاعة تلفزيون الكويت ، وسافر إلى لبنان وعمل في فندق طانيوس بعالية مدة من الوقت".

فقلت له : أستاذ سالم كيف كان يتعامل معكم كفرقة موسيقية ؟

قال : كان ناظم الغزالي من أروع الفنانين أخلاقا ، فهو يحمل روح كريمة جدا وعنده الفرقة الموسيقية كأنهم عائلته فيتابعهم كثيرا ، أكلوا ، شربوا فهو كان يتابعهم باستمرار فكلما تكلمت عنه في هذا الموضوع أكون مقصرا في حقه .

سألته :أستاذ سالم المصادر أختلفت في تاريخ مولده بأي سنة ولد ؟

قال : ولد ناظم على حد علمي في عام 1923 في منطقة الحيدر خانة .

سألته : أستاذ سالم موسيقيا مع من تعامل ناظم الغزالي من الفنانين والشعراء ؟

تعامل كثيرا مع الشاعر الغنائي جبوري النجار الذي كتب له العديد من الزهيريات ، أما الفنان جميل بشير فوزع له أكثر أعماله ، كما ولحن له الفنان ناظم نعيم أكثر من ثلاثة عشر أغنية أشهرها (أحبك واحب كلمن يحبك ، أي شيء في العيد وغيرها .

سألته : أستاذ سالم بعض المصادر تذكر أن الغزالي كان على موعد مع الفنان فريد الأطرش ورياض السنباطي كان متفقا معهم على مجموعة من الأعمال وذلك قبل وفاته بأيام ، ما هي المصداقية لهذا الموضوع ؟

قال : أعتقد ذلك .

فسألته : أستاذ ماذا تقول بموضوع تلفزيون الكويت الذي سجل للغزالي العديد من الحفلات والتسجيلات فهل ساهم في المحافظة على أعمال هذا الفنان ؟

 

قال : أكيد لتلفزيون الكويت دور كبير في ذلك .

فقلت له : أستاذ لن آخذ من وقتك أكثر ، أقول لك    ، العمر المديد يا موسيقار العراق ، فقبل أن أودعه وأشكره لمعلوماته هو أيضا حملني أمانة إلى الجريدة فقال: (شكرا لكل العاملين في هذه الجريدة ونحن من المتابعين المثابرين لها في الخارج).

أخيرا نقول .. لقد أحبت الأجيال هذا الفنان بحبهم ( لفوك النخل وخايف عليهة و سلم و طالعة من بيت أبوهة ) وغيرها العشرات من أغانيه ، ناظم الغزالي تراثا تعريفيا مع تلك العناوين التي نحتتها حضارتنا للعالم ، كما بدأ الغزالي يتيما أمسى العراق يتيما من هذا الفنان عندما أخذت قوانين الطبيعة جثمانه وليس اسمه الخالد ، ذلك بعد عودته من أوروبا في 20 / 10 من عام 1963 وعملوا الفنانون موكبا كبيرا لتشييعه إلى مقبرة الشيخ معروف في اليوم التالي من الوفاة إلى مثواه الأخير ، وترك وراءه أسمه عنوانا لثروة كبيرة من الكنوز التراثية الأصيلة التي لا تنسى .