أصالة وكاظم الساهر ... يبحثان عن التجديد أم عن التقليد؟

المقاله تحت باب  في الموسيقى والغناء
في 
20/02/2008 06:00 AM
GMT




إذا كان صحيحاً أن طريقة صناعة الأغنية تغيّرت بحيث حلت أولويات أخرى مثل «الموضة» محل الأولويات المعروفة المتعلقة بالكلام واللحن، فإن الصحيح أيضاً هو أن الأولويات الجديدة هذه لم تأخذ بألباب نجوم الغناء ذوي الأصوات الجيدة أو العادية فقط، بل أخذت بألباب المغنين والمغنيات ذوي القدرة الاستثنائية بمعنى أن «الموضة» سيطرت على طريقة تفكير المواهب الغنائية الكبيرة ولم تنحصر بهواة «النوع».
ماذا يعني هذا الكلام؟ يعني ببساطة أن الكلام واللحن في أي أغنية انحدرا من المقام الأول الى المقام الثاني. أي ان نجم الغناء يختار الأغنية الجديدة التي ينوي تسجيلها بناء على مدى ملاءمتها لمزاج عام منتشر لدى أغلب الجمهور وأغلب رسائل الكلام وأغلب العقلية الانتاجية وأغلب الفنانين، لا على مدى ارتباطها بفكرة شعرية أو لحنية جديدة، وتالياً فإن تفكير نجوم الغناء ذهب أبعد في «الاستقالة» من التجديد أو من الالتزام بقدرات الصوت، متجهاً الى مسايرة ما نجح لدى الجمهور من ألوان غنائية أو أنماط ادائية أو تقليعات انتاجية شائعة، والنسج على منوالها، بناء على تجارب آخرين نجحت في هذا اللون أو النمط أو الشكل الانتاجي، من دون إقامة أي اعتبار لمتطلبات صوت النجم نفسه وامكاناته الأدائية ومساحته الأصلية.
لقد شاع نوع معين من الأغاني بسبب انكباب جميع النجوم تقريباً، عليه. هناك أغنية شبه واحدة معروضة على الجميع، بل مطلوبة من الجميع، بحيث تحوّل الملحنون الى موقعي معاملات، «فالمعاملة» جاهزة ومعروفة ولا ينقصها الا التوقيع. والتوقيع جاهز، والمشترون كثر، ويفضلون ما جرّبه الآخرون وثبت شيوعه وانتشاره، اكثر مما يفضلون البحث عما يرضي الذات العليا في الفنان، انها استقالة الذات العليا لدى الفنانين أمام الذات الدنيا، أي التي تقبل بما لا تقبل به الذائقة انقدية الابداعية. والنتيجة انسياق خلف السهل، لا السهل الممتنع، بل السهل المباح!

فما الذي يقود مغنية ذات أصالة عميقة، هي أصالة، الى القبول بأغان لا تستخدم فيها الا «ربع» صوتها مثلاً، أو بالضبط تستخدم فيها مساحة معينة من صوتها ولكن على كلام «سريع» ولحن «عاجل» لا ينمان عن جهد فني بقدر ما ينمان عن «التزام» بشروط سوق الفيديو كليب!
ما الذي يمسك بيد مغنية بارعة اسمها أصالة تملك من القوة التعبيرية ما يخولها قيادة المرحلة الغنائية العربية بكاملها، فتقبل في الآونة الأخيرة بل تسعى في سبيل أغان أدنى مرتبة من صوتها، ومن حضورها، ومن ثقافتها الفنية العالية... اكراماً لـ «الموضة» أو التقليعة أو السوق؟
قد يكون طبيعياً لمغن كبير أو مغنية كبيرة أن «يستحلي» أغنية حقيقية، ذات جمالية غير متطلبة على سبيل التلوين والتزيين، بل يمكن لأغنية كهذه ان تعبر مساحات شعبية عريضة قد لا تعبرها أغنية صعبة كمادة فنية وادائية، الا ان ما لا يعود طبيعياً هو انصراف تلك المغنية أو المغني بكليتيهما الى هذا المستوى الادائي فقط، والانقطاع أو تجاهل المستويات الأخرى!
ليست أصالة وحيدة في توجهات أقرب الى «الشعبوية» منها الى الشعبية. كاظم الساهر كبير آخر أدخل نفسه في مشكلة، تختلف عن مشكلة أصالة، لكنها تؤدي الى النتيجة نفسها: انها مشكلة الحفر في الصخر نفسه، في المكان نفسه، في الروتين نفسه من دون أي انتباه الى حقائق تحدث لدى الجمهور تجاهه، وهي سلبية في الأغلب الأعم، كون الجمهور يلاحظ بسهولة مدى «تطابق» أغاني كاظم مع بعضها البعض نصوصاً والحاناً وأداءً منذ سنوات!
فمن يعيد بعض كبار المغنين الى مرحلة البحث عن الجديد في الأغاني الجديدة لا البحث عما بات تقليداً؟!