حوار شامل مع المفكر السياسي والباحث الموسيقي العراقي حسقيل قوجمان

المقاله تحت باب  في الموسيقى والغناء
في 
29/10/2009 06:00 AM
GMT



الموسيقى في حياة قوجمان
* إين نجد عوالم الموسيقى في حياة حسقيل قوجمان؟
- كنت منذ طفولتي أحب الموسيقى وقد استمر هذا الحب حتى يومنا هذا. تعلمت عزف العود بصورة ذاتية، لذا لم اصبح عواداً محترفاً، ولكني بعد خروجي من السجن كتبت كتابين عن الموسيقى العراقية والمقامات العراقية أحدهما باللغة العربية كان اطروحة الماجستير والثاني باللغة الانجليزية كان من المفروض ان يكون اطروحة الدكتوراة.

* ما الذي دعاك إلى كتابت كتابك الأول عن الموسيقى العراقية "الموسيقى الفنية المعاصرة في العراق"
- عندما خرجت من السجن ورحلت مرغماً إلى إسرائيل، سكنت عند أختي هناك، والمكان الذي كانت تسكنه كان بجاوار سوق يشبه إلى حد كبير ( سوق حنون في بغداد )، في ذلك السوق يجد الزائر نفسه في سوق عراقية المأكولات والمشروبات وكل شئ. فأخذتني أختي إلى هناك وهناك أصابتني الدهشة والذهول فلقد رأيت داود الكويتي واقف في كشك صغير يبيع الأواني المعدنية، ( هذا الكشك كان بالشراكة مع أخيه صالح ) وكان حينها يتعامل مع أمرأة حول ثمن قدر وحول قرش زائد أو قرش نازل، عندها قلت: حين يصل بداود الكويتي وأخيه صالح إلى هذه المرحلة، فالموسيقى العراقية يجب أن يكتب عنها. فهل من المعقول أن يصل هذان العملاقان في عالم الموسيقى إلى هذا الحد. والجدير بالذكر أنه في بداية الثلاثينيات من المقرن المنصرم، فتح داود وصالح بعد أن أتيا إلى بغداد مدرسة لتعليم الموسيقى، فلقد فتحوا مدرسة في بغداد مقابل سوق الشورجة في شارع الرشيد، كان داود يدرس العود وصالح يدرس الكمان، ولكن هذه المدرسة لم تدم طويلاً لأن داود وصالح أصبحوا على رأس فرقة الإذاعة العراقية فتركوا التدريس.
حين وجدت نفسي في إسرائيل وأنا لا أجيد اللغة العبيرية، فكرت أن أدرس مادة سهلة علي، فدخل كلية الآداب القسم العربي، وحصلت على البكالوريوس، وفي مرحلة الماجستير كانت فكرة الكتابة حول الموسيقى العراقية لا تزال تستحوذ على تفكيري. تعرفت على عميد كلية الموسيقى بالجامعة العبرية هناك، كان يهودي لبناني الأصل وكان اسمه آمنون شيلواح، حينها قلت له، لماذا لا تدعني أعمل رسالة الماجستير حول الموسيقى العراقية؟ عندها قال: وهل هناك شئ لم يكتب عن الموسيقى العراقية؟ قلت له أعطني هذه الفرصة وسوف ترى. إن ما شجعني على ذلك هو وجود الموسيقيين العراقيين من اليهود في إسرائيل وأغلبهم أصدقائي، وهم بطبيعة الحال مصدر رئيسي ومهم. المشكلة التي صادفتني بعد أن إقتنع وشرعت بكتابة الرسالة هي أنه أراد أن يكون عنوانها ( الموسيقى اليهودية في العراق ) وهذا خطأ كبير بل وكفر، فليس هناك موسيقى يهودية بل هناك موسيقى عراقية، وهذا ما أصريت عليه، فخرجنا بعد المساومة بتسمية الرسالة ( دور اليهود في الموسيقى العراقية )، خرجت الرسالة بعد عدة موافقات بين الكلية العربية والكلية الموسيقية في الجامعة العبرية. قدمت الرسالة وكانت مكتوبة باليد، فلم أكن قادراً على الحصول على آلة طابعة لكتابتها، وقدمتها باللغة العربية وكان ذلك خلافاً لقوانين الجامعة العبرية التي تنص بتقديم كافة الدراسات باللغة العبرية حتى لو كانت تتناول القضايا العربية، حصلت الرسالة على أعلى تقدير وهو 95% على الرغم من كل تلك المصاعب والمشاكسات. بالمناسبة عندما وصلت إلى لندن غير اسم الكتاب ونشرته تحت عنوان (الموسيقى الفنية المعاصرة في العراق ).

أثر الموسيقيون اليهود في مسيرة الموسيقى العراقية.
* هناك فنانون موسيقيون عراقيون كان لهم الأثر الواضح والكبير في بناء تاريخ موسيقي عراقي مشرّف، ولهم العديد من الأعمال الموسيقية والغنائية، والتي أصبحت في يومنا هذا تسجل تحت إسم التراث خوفاً من ذكر أسماء المبدعين الذين أبدعوها، هل تحدثنا عن أولائك؟
- التأثير الكبير الذي لعبه اليهود في العراق كان في مجال الموسيقى، كونها تلامس كافة شرائح المجتمع العراقي، فكانت فرقة الإذاعة كلها من اليهود ما عدا عازف الإيقاع، وفرق الجالغي البغدادي، وموسيقى المقام العراقي، إضافة إلى أن أغلب الملحنين العراقيين كانوا كذلك يهود مثل صالح الكويتي وداود أكرم وداود الكويتي وسليم داود، ودورهم في الموسيقى كان بارز جداً، بل وكان له الريادة، ولا أتصور بأن هناك طائفة يهودية بغير العراق قد لعبت هذا الدور البارز في مجال الموسيقى. في الموسيقى ليست هناك إنتماءات عرقيو أو دينية .. في العراق آنذاك كانت الطوائف من غير اليهود تستعيب دخول أبنائهم إلى أجواء الفن والعمل في عالم الموسيقى.

* من اجل أن نضع القارئ في الصورة الصحيحة، هل يمكن لك أن تذكر بعض الأعمال لهؤلاء الفنانين؟
- لنأخذ مثلاً أغنية " يا نبعة الريحان "، هذه الأغنية الشهيرة عند العراقيين والتي غناها أغلب مطربي العراق هي من ألحان الفنان صالح الكويتي، وقد لحنها للمطربة لسليمة مراد.
مثالاً آخر لنأخذ إغنية "أيها الساقي إليك المشتكى" الأغنية التي تجاوزت شهرتها العراق لتنتشر في أرجاء الوطن العربي كافة، هذه الأغنية لحنها سليم زبلي وهو موسيقي عراقي مرموق جداً، وهو موجود حالياً في إسرائيل، ويسموه سليم النور. ومؤلفاته الموسيقية تذاع في الإذاعة الإسرائيلية، هو مؤلف لقطع موسيقية تسمى ( السماعيات) وجميعها ذات مستوى موسيقي عال جداً. وقصة تلحين الأغنية (أيها الساقي) كانت عندما كان سليم زبلي طالباً في الثانوية المركزي ببغداد وكان سليم آنذاك شاباً لم يبلغ سن الرشد بعد، في ذلك الوقت أعطانا مدرس اللغة العربية الأستاذ "الأعرجي" قصيدة ( أيها الساقي) فما كان من سليم إلى أنه لحنها وراح بمفرده إلى دار المطربة سليمة مراد وطرق الباب وقال بأن لديه أغنية يريد إعطائها لسليمة مراد التي كانت المطربة الأولى في العراق، وبالفعل أدخلته البيت وحفظت الأغنية منه وغنتها وسجلت بإسميهما، ولكن الأغنية ومنذ فترة طويلة جداً نسبت إلى التراث ولم يذكروا إسم سليم زبلي. ومن الملحنين أيضاً أذكر سليم داود، وهو من أروع الموسيقين العراقيين في تلك الفترة وهو عواد من الدرجة الأولى وعازف كمان مرموق وهو ملحن عظيم وقد كان يلحن لسليمة مراد منذ سنة 1939 حتى عام 1944، ولحن معظم أغاني عفيفة إسكندر ولحن كذلك لنرجس شوقي وزكية جورج.

حياة الفنانين والمثقفين العراقيين داخل إسرائيل.
* كيف وجد العراقي المُهَجَّر من اليهود الحياة داخل إسرائيل؟
- عندما اضطر اليهود العراقيين بالسفر إلى إسرائيل بعد أن أُسقِطَتْ الجنسية العراقية عنهم، عاشوا أتعس الظروف الحياتية، فلقد سكنوا في أكواخ أو خيم في مجمعات تسمى ( المعبرة ). في تلك المحنة فقد الفنان العراقي من اليهود جمهوره وتاريخه وأرض ذكرياته. كانت حياتهم جحيم. في ذلك الوقت لو كانت لهم الفرصة سانحة في العودة إلى العراق لكان 90 بالمائة منهم قد عادوا، ولكن اللعبة السياسية كانت أقوى من تطلعاتهم، وتحت الرضوخ إلى الأمر الواقع إندمج يهود العراق بسائر الأقوام الأخرى في إسرائيل، ولكنهم بقوا على عراقيتهم وعربيتهم، وهناك أدباء وقصاصين لا يزالون يكتبون باللغة العربية وهم داخل إسرائيل، وهناك من يكتب بالعبرية مثل " سامي ميخائيل " ولكنه يتحدث عن ذكرياته في العراق، وهناك من أصبحوا أساتذة جامعات يدرسون اللغة العربية في الجامعة العبرية، ويكتبون البحوث في اللغة العربية مثل ديفيد صيمح وساسون شيميخ و شموئيل نويل وهم يكتبون مواضيع وبحوث عن الأدب العربي والتاريخ العربي، ومنهم من قدموا اطروحة الدكتاتوراه عن نجيب محفوظ وأنور شاؤول وعن الموسيقيين العراقيين.

* وماذا عن حياة الموسيقيين هناك؟
- الموسيقيون العراقيون الذين رحلوا إلى إسرائيل فقدوا جمهورهم العراقي وتاريخهم الذي بنوه في بلدهم العراق، وعندما وجدوا أنفسهم في إسرائيل، انخرط أغلبهم في أعمال غير فنية ما عدا قلة منهم استطاعوا ممارسة مهنة الموسيقى ليؤمنوا معيشتهم، وهؤلاء استطاعوا أن يكونوا الفرقة الموسيقية للإذاعة الإسرائيلية وأغلبهم كانوا من العراقيين الذين تخرجوا من دار مؤاساة العميان، وكان أكبرهم سناً الفنان داود أكرم الذي يعد من أحسن خريجي مدرسة مؤاساة العميان، كانت له مؤلفات موسيقية رائعة جداً في العراق، ولكن للأسف ضاعت جميعها، وكم طلبت منه أن ندونها ولكن للأسف لم يتم ذلك. وسليم زبلي فقط من حصلت على بعض مؤلفاته. وفي الفترة الأخيرة أتت فرقة عراقية إلى لندن إسمها أنغام الرافدين وقد أعطيتهم نسخة من سماعيات سليم ووعدوا بأن يعزفون مقطوعات سليم في المستقبل. وإذا تحدثنا عن الوقت الحاضر نجد أن أغلب هؤلاء الموسيقيين قد فارقوا الحياة، ولم يبقى منهم إلا القليل مثل الفنان إبراهيم سلمان عازف القانون والموسيقي والملحن سليم زبلي. والجدير بالذكر أن أغلب الموسيقيين الذي دخلوا إسرائيل هم من مكفوفي البصر، لذلك تجدهم وقد اشتغلوا في بدالة التلفون أو عمل الكراسي أو حياكة السلال والحبال وهي مهن تعلموها في دار مواساة العميان ببغداد.
يعقوب العماري مثلاً والذي كان عضواً مهماً في الفرقة الموسيقية بدار الإذاعة العراقية وهو قارئ مقام من الدرجة الأولى أصبح إسكافي في إسرائيل. كل هذا دفعني إلى كتابة الرسالة حول الموسيقى العراقية.

 

________اقتباس من مقال للاستاذ حسين السكاف مع قوجمان__________