المقاله تحت باب محور النقد في
26/08/2007 06:00 AM GMT
في المائيات يختزل محمد سامي الخط ويزهد في اللون ،لكنه كريم في ثراء المعنى .. فالمرموز عبر الفرس والخيول ، ليس تعويضا ًعن البشر، لكنه كناية عن مرادهم ،لذا يقترح هذه الفنطازيا :
خيول بحركية تتبدى الخطوط المتداخلة اللدنة مثل رسم بالنيون المضاء ،معتمدا ً على البني والأزرق والمساحات البيض ،كأنها جمع الألوان وفتنتها.
محمد سامي وهو في عقد الثالث مواليد 1984(دبلوم معهد الفنون الجميلة بغداد 2004، المعرض الشخصي الأول عام 2000 والثاني 2005 والثالث في حلب2006) عضو اتحاد السورياليين العالميين/المانيا، وعضو جمعية ونقابة الفنانين العراقيين يحيل ذاكرتنا البصرية إلى الأساتذة الرواد فيما تفننوا فيه من رسم تخطيطي :
خالد الجادر ،خالد الرحال ،جواد سليم ، لكنه بعيد عن كتلويات الجادر وقريب جدا ً من ليونة خطوط الرحال وشفافيته في الخيول والنساء بخاصة ، أما جواد ففي تلك المهارة التي صاغ يها موضوعاته الثرية بخطوط عميقة مترفة وزهد لوني معبر كلزهد في خطوط وألوان لوحة جواد الشهيرة(الشجرة القتيلة)وأقواسه في تمثاله المعروف (الأسطة طه) والحركية المندفعة والتقعرات في وحدات جدارية نصب الحرية وحركيتها المقدامة (الفرس، الجندي،الأم)..
كما تذكرنا حركة المنحني المفتوح والأقواس التي تمثلها هيكلية الخيول وتوابعها بأقواس الرقم الطينية التي استلهم منها محمد .
غني حكمت أقواس أبوابه وتماثيله في آن،فصارت منهجا ً لدى عديد الرسامين والنحاتين في العراق والخيول باعتبارها دالا ً وشفرة وعلامة في سيميائية الحرية والحركة وضد السكون و الأثقال الزائدة في جسم النص البصري ،في الإنطلاق من وإلى ، حركة وبركة في نشدان المعنى الكبير الثر الذي صارت خيول اللوحات محمولاته الدلالية والرمزية :
الحرية ،بخاصة بعد أن قدمها محمد سامي مطاردة ومطرودة ،جريحة وقتيلة يسيل الدم من جسدها الجريح وينتشربقعا ً على أرضية اللوحة،ثم أنه أنسن خيوله وأشعر المتلقي بأنها تحس وتشعر وتتصرف على وفق الحالة، فهي مطاردة أو حبيسة في إسطبل أو مربط ، وحين انطلاقتها خارج الحبس والجدران باتجاه فضاء أرحب ، يخف توترها وانفعالها حين تلتقي المحبوب أو الحادب أو الأمل والرفيق ، فتشكل ثنائية العاشق والمعشوق في مداعبة أنيسة بين ذكر وأنثى وزهو العلاقة وتجليات المداعبة، أو حينما يطارد ويجرح ويقتل صنوه وخله فيهرب جريحا ً وتلتقيه تلك السيدة المثال:
(الأمل أو الأم أو الأرض أو المحبوبة) وتربت رأسه وهو يشم أناملها بحنو الإبن المطمئن ،أو المطارد الذي يستجير بمن يحب فـيجد عنده الحماية والطمأنينة ،ثم ذلك النص البصري الذي يجسد ثنائيةالفرس والفارس المحبط و قد ألقى بدرعه ورمحه جانبا ً فتحنو فرسه عليه وتحرضه لينهض ،أو حين الخروج من المربع الأرضي إلى المربع الحر إذ تتغير الخلفية من الأبيض إلى الأزرق وتكتمل السردية بإظهار الفرس في حومة الماء والسماء ،ثم وهي حرة تماما ً تنطلق وترقص وتدور حول نفسها متألقة باهرة مثل كوكب دري ، إنها فرحة الخروج من سجن المدينة إلى فضاء الحرية،وهوما يكرره الفنان بالبورتريه هذه المرة المباشر والتعبيري،الصادح من دون رمزية ولا تأويل حيث تظهر( مجموعة السجين)- إن صح التقسيم - وهي لوحات رسمت بالزيت على القماش أو بمواد مختلفة- مهارة الإشتغال على الإنسان والجدار كثنائية،كناية عن السجن والحرية ،التعذيب والصمود والأمل في الخلاص حيث يزور السجين ثمة طيف - في إهاب امرأة- لعله الحرية ،الفكرة/الآيديا ،القضية،مثل محبوبة أو أم رؤوم، وهو مسجى في سلم الغياب داخل الزنزانة،أوحيث يطل ذلك الوجه الزائرالحزين من خلف القضبان(كأنه المحبوبة : الإبنة أوالزوجة،الأخت أوالحانية) ولا يظهـرالسجين لكن تظهرآثاره: مرسومة محززة لعصفور محفور على الجدارينظر باتجاه النافذة كطائر سعد أو رسول حب أو رمز خلاص أو أمل ،أو ربما حامل رسالة أو نبأ كهدهد سليمان،قد يجيء، وثمة الحفـرالتضاريسية التي تشبه آثارطلقات أومنابت أدوات تعذيب،ثم يفنطزالفنان تلك الرؤى حين يدخل المرأة في حيز الجدران وداخل الزنزانة شريكة في الأذى والأسى والعذاب فهي الضحية أيضا ً والمتهمة مادامت ذات صلة بالمعتقل حتى لو كانت بريئة ،و يلجأ الفنان لإلغاء الرؤوس البشرية المقطوعة ليضع مكانها آلات مسننة مربوطة بأسلاك ، حيث الرسام نفسه أيضا ً يتبدى سجينا ًداخل المشهد بلارأس يقـف عاريا ً أمام محض المسند ولوحة لم تكـتمل بعد وعلى الأرضية فرشاة الرسم وأنبوبة الصباغ مهملة متوحدة.. كمن يجعل الواقع العياني مثل مشهد سوريالي، أو ما فوق فنطازي، وهو حال العراق إبان جمهوريات العسف والقـتل على الشبهة.
إن محمد سامي أظهرمهارة تقنية عا لية في دمج أكثر من جسد في حركة الخطوط ،كما في مجموعة (الخيول) المائية،وهو يعيد هذا المنهج الحكائي التعبيري في لوحاته الزيتية المعبرة عن الأسى الإنساني والمقاومة والعذاب،ويقدم نموذج المناضل الذي يخترق بجسده جدارسجنه نشدانا ً للحرية بنص صادح (قياس 60×70سم زيت على قماش) أو وهو يجسد ذلك الجالس على عرشه محاطا ً بالزهور والأوراق الخضر كأنه سلطة كاريزماه وزهوها (50×80سم زيت على قماش)،مبتدئا ً سلسة البورتريهات الزيتية بذلك الوجه الذي يغمرمساحة اللوحة كأنه المدينة والسجن والذكريات معا.
لوحاته في جلها ،إن لم أقل كلها، تشتغل على العبورمن وإلى في الحركة والمقاومة والشهادة معادلا ً موضوعيا ًللحرية وضد العسف والقتل المجاني والموت. ومن لوحاته الجميلة،وكلها كذلك،التي تلخص خطاب فنتازيا الحرية،ذلك الطير السجين المسمر بنافذة الزنزانة، وتلك اللوحة المائية التي تتداخل فيها الأجساد الأنثوية بخطوط زهيدة لكن معبرة ومتآلفة مع حالات الخيل وهي تحمحم رغبة صادحة وشهوة،كأنه يلخص الغريزي بالغنائي المتناغم العذب (30×40سم مائية).. تقنيا ً :
تبرز أعمال محمد سامي مهارة في التشريح وسيطرة على الخط والكتلة وزهد اللون ، مع انسيابية عالية الثراء النغمي، والتعبيري ،عنيفة مرات و هادئة منسابة،بحسب السياق،ولكن بشفافية رهيفة،والزهد باللون يحيلنا عبرالشكل المتمكن للولوج في صلب المعنى الدلالي ومعنى المعنى ، حيث القراءة التأويلية لدوال تنفتح على موحى الحرية ،حتى لتكاد مهارة التوصيل لخطابه البصري تنسينا الوسيلة الجمالية التي اعتمدها وصولا ً لذلك المهاد.
كما أن الفنان ألغى الظرفية-كبند فلسفي- فقدم اللازمكان القابل لتعدد القراءة والتأويل ،إذ تصلح لأيما زمان و مكان تستلب فيهما الحرية ويسجن المعنى! كما تتوفر الأعمال على سردية حكاية تعبيرية مشحونة بالرموز والإشارات ، لذا فإن الجسد هنا هو حامل شفراته الدلالية ،كاللسان الصادح المبين،حتى لو تبدى العمل الفني واقعيا ً شديد التعبيرية. إنها بلاغة البساطة، ولكن بتكنيك عالي المهارة بحيث تبدو مائيات الفنان كأنها مرسومة على وفق الكومبيوترغرافيك، وليست بمحض فرشاة .. النص،عنده،تجليات جسد حرية يدون نسيانه، لا يغيب ولا يفنى ..في معناه وفي جدواه. وهذا نبل الخطاب وفصله!
|