«بناء العوالم» شعار مهرجان بينالي البندقية .. حضــور متميز للفنــانيــن العــراقيين

المقاله تحت باب  مقالات فنيه
في 
20/06/2009 06:00 AM
GMT



أصبحت الأرض المخصصة لبينالي البندقية (فينيسيا) الذي يعتبر الاقدم والاشهر في العالم في مجال العروض الدولية للفنون المعاصرة مسرحا لالوان واشكال، تبدو كانما تتحرك في فضاء ناطق من الكتل والرموز والايحاءات. فالمساحة الكبيرة المخصصة للعروض، على شكل سرادق، ليست جدارا، ولا هي مرتكزا  تستند اليه هذه العوالم والصروح والمنصات الفنية متفاوتة الابعاد والنماذج المعمارية والبلاستيكية، الثابت منها والمتحرك، بل هي، تشكيلة من فضاءات مبدعة تمنح الرؤية طابع الثراء الفني والخصوبة الثقافية والحضارية الانسانية، انها حوارات فنية تمزج بين الواقعي، وبين الخيالي لترسيخ قيم الهوية الفنية المبدعة. انها عرض لما وصلت اليه سيرورة الفن التاريخية والتطويرية باعتبار الفن انفعالاً باطنياً يتأثر نفسيا وذهنيا ضمن حيز الوجود الانساني.

الزائر لاجنحة الدول المشاركة وعددها 77 دولة في دورة البينالي الجديدة والتي افتتحت للجمهور يوم 7  من الشهر الجاري، وتستمر حتى 22 من شهر نوفمبر/ تشرين الثاني القادم، سيفاجأ بازدحام الوسائل التقنية الحديثة التي اكثر من استخدامها فنانو الحداثة من المدرسة المفاهيمية، وما حملته من مدارس واساليب عديدة تمثلت في الفن الاعتدالي، وفنون الارض، وفنون الجسد، الا ان هذا المشاهد سيفاجأ ايضا بعودة اللوحة المسندية بكل عوالمها، لتعيد كرامتها بافتتان وابداع كبيرين، بعد ان اصابت التخمة التعددية الوسائط التقنية الجديدة في معظم المحترفات الفنية الغربية.
انشئ جسر جديد يربط القناة الكبيرة الرئيسية للمدينة بقناة جويكا، اي ربط السرادق التقليدية القديمة للبينالى بالمدينة، لتصبح الحدائق والسرادق مساحة واحدة مترامية الاطراف تجمع هذا الكم الكبير من المعارض الدولية المتداخلة. والمشاهد حين يجتاز حدائق قصر فينسيا الرئيسي، سيفاجأ بوجود الجناح الايطالي الذي حمل شعار( محيط وسماء) وتحوله الى قطعة من محيط مائي ترتمي على ضفافه اشجار النخيل، كأن عصر الصورة الثابتة في نهايته بعد ان ابتكر الفن لنفسه وظيفة اخرى، من الصورة الافتراضية الى الصورة الرقمية في واقع محكوم بالتكنولوجيا التي يتزايد تصرفها في صناعـــــــــة» العمل الفني»، وهي الصورة الفوتوغرافية والمجسمات الملونة، من الاعمال التجهيزية واعمال التركيب والمشغولة على ركائز فكرية مركبة تستدعي لتنفيذها المناداة على عدة اشكال وادوات ومواد مدمجة في بناء واحد متماسك يدل عليه بالعمل التركيبي يطلق عليه باللاتينية تسمية( استيلاسيون) وهو الطاغي في العديد من المنصات المشاركة في البينالى وحتى العديد من  المشاركات العربية، حيث يقوم العمل التركيبي على جمع مواد عديدة لتوظيفها في غير موضعها في بناء» تركيب» ذي ملامح بين النحتية والمعمارية ومشغول يعين تشكيلية وزخرفية في آن واحد. ويفترض العمل التركيبي اولا ان يرتبط بتصور الفنان لتجهيزه بالجغرافيا المعمارية للموقع الذي يعتزم اشغاله في عمله، وبالفضاء المحيط لتعزيز فكرة العمل وما يفصح عنه، وهذا ما فعله الجناح الايطالي من متطلبات المكان من خلال توفير الموقع المؤاتي لاقامته. انها ذات حضور ثري يكتنز بحياة متدفقة في شرايين هذا العمل الفني العملاق الذي يشبه حوارا او تقاطعا تعبيريا وجماليا.
يحضر الفن  فعليا في هذه التظاهرة العالمية، التي تأسست عام 1893  بمناسبة عقد قران الملك اومبيرتو على الملكة مارغريتا دي سافويا في مدينة البندقية التي يطلق عليها الى يومنا هذا مدينة العشق والحلم. فهذه التظاهرة تعتبر الاكبر والاهم  في العالم، كمنظومة تتوجه نحو الحداثة من دون ان تتخلى عن انتماءات جغرافية وتاريخية، فيها الجديد وفيها اللافت، تضم جميع اجناس الفن، من اللوحة المسندية، الى التمثال والفوتوغراف، والاختبارات الفراغية والفيديو  والميكروفيلم والكومبيوتر، وبرامج الفوتو شوب، واستخدامات اليستراتور، والسكينر، وكل ما تنتجه تقنية التكنولوجيا الحديثة ومغرياتها، اضافة الى اخر ما توصلت اليه عبقريات البرمجة الرقمية، التي استدرجت اغلب الفنانين الى مساراتها ونتائجها شبه الجاهزة. انها  تؤكد يوما بعد اخر عدم ارتباط العمل الفني باي اثر تزييني او نظام بناء متكامل، باعتبار ان الفن الحديث لايبحث عن الخلود الذي كانت تبحث عنه اللوحة الفنية التقليدية، اذ ان خلوده يتمثل بتغيير اطار اللوحة الى اطار الوجود اليومي والذي يتيح للانسان القيام بتجارب حقيقية مباشرة مع محيطه وبيئته، ذلك ان العمل الفني، هو وسيلة استعلام فعالة، اذ سرعان ما يزول العمل الفني الا ان ذكرى الفكرة التي طرحها تبقى راسخة.
جمع كبير من هؤلاء الفنانين باعمالهم الفنية المبدعة، والتي لاتخلو من غرابة تثير المتلقي وتحيله من مجال الايهام المنظوري الى المجال الواقعي والفعلي وبالعكس.  تتداخل هذه النتاجات فيما بينها وتخضع لمهام النشاط الفني بمجمله في عصرنا الحالي. لقد تفنن هذا الكم الكبير من الفنانين الذي يقدر عددهم باكثر من 600 فنان مشارك على اختلاف افكارهم وانتماءاتهم الفكرية والثقافية، واماكن عيشهم، في ابتكار عوالم تعيد للانسان المعاصر وبزخم، الخلق الفني كسلاح يمكن اشهاره بوجه الجهل والحروب و وسائل الدفاع الاولى عن نفسه بواسطة الفنون.
في اللقاء الصحفي الذي جمع جمهرة من مراسلي الصحف ومنهم صحيفة ( المدى) بمناسبة افتتاح البينالى،قال مدير البينالى الناقد والمؤرخ التشكيلي البلجيكي دانيال بيرنباوم ( مواليد 1963)» طموحي وضع جيلين فنيين واحداً امام الاخر، الشباب والكبار، من جيل البوب آرت، مرورا بالجماعـــــات الفنية الشهيرة امثال» فلوكسوس»
و كوتاي» ومنظمة شيني للفنون، وجماعة برادو الشهيرة وجماعة كوريني ومنظمة فيدوفا التي تفتح ابوابها لاول مرة للجمهور وفنانين مثل، الالماني توماس بايرل، المعماري الفنطازي يونا فريدمان، فنان البوب آرت السويدي يان هافزستورم، الامريكية جوان جونس، يوكو اونو وجون بالدرزاري اللذين سيمنحهما البينالى،جائزتي الاسد الذهبي تقييما لمسيرتهما الفنية ذات العطاء الكبير، وغيرهم من الكبار. وامام شيوخ الفن هؤلاء وضعت شبيبة الفن الجديد امثال البولوني اندريا كادر، والصيني شين زين والايطالي جينو دي دومنيجيس والسويدي اويفيند فهلستروم وجماعة كواتي والمعماري الامريكي كوردون ماتا كلارك والالماني بلينكي باليرمو والبرازيلية لايجيا بابه، وغيرهم،  ليكونا جيلين  تتعدد ما بينهما الاساليب المتبعة وتتبدل تقاليد الفن وفقا للتقاليد السائدة في كل بقعة من بقاع العالم المأهول «. ويضيف بيرنباوم فيقول « انه حقا رحلة حول العالم، اطلقنا عليها شعار هذه الدورة» صنعة العوالم» اخترنا اسلوبا جديدا في التنسيق خرجنا فيه على الخط التقليدي المتبع عادة في البينالات السابقة فما يشاهده المرء يؤلف نتاجا فنيا يشكل ميراثا جامعا تلتقي فيه كل الفنون المعاصرة، وهي تحمل قرابة فنية بشكل ساطع وتكشف عن عمقها المشترك وجوهرها الانساني الواحد. الدورة الجديدة تجمع اساليب متعددة قلما اجتمعت معا من قبل، ندخل في رحلة تختلط فيها الازمنة والامكنة وتقودنا الى اعماق الجوهر الانساني، انها مواهب تحصد الاعتراف، وتضيف الجديد، بعد ان اصبحت الحركة التشكيلية الحديثة تكرس واقع المتغيرات الجديدة في عالمنا المعاصر لتعكسها في بنية العمل الفني».
مجموع الفنانين الذين تلقوا دعوات خاصة من البينالى عددهم تسعون فنانا تقف على رأسهم الفنانة البرازيلية لاجيا بابى التي توفيت قبل خمس سنوات وعرض لها عمل تركيبي يمثل خيوطاً من الذهب معلقة ما بين السقف والارض بشكل متقاطع اذ تبدو هذه الخيوط المصطفة بانتظام وكانها اشعة ضوئية. اما النحات الايطالي بيستوليتو فقد عرض هو الاخر عملاً تركيبياً يمثل مجموعة من المرايا والتي سيهشم بعض من اجزائها في الايام الاولى للافتتاح. الفنان الامريكي كريستيان هولير عرض انبوباً ملوناً يحمل غرابة في ابعاده الهندسية، اما زميله الامريكي من اصول صينية باول شان فقد قدم عملا اهداه الى الماركيز دي ساد  واسماه « جنس، حرية،عنف وحقيقة». اما الايطالي  توماس ساراجينو الذي يحمل الجنسية الارجنتينية ويعيش حاليا في مدينة فرانكفورت الالمانية، يحتل عمله التركيبي مساحة كبيرة من صالة الدخول الرئيسية حيث رسم لوحة كبيرة جدا، يجاورها في صالة قريبة عمل فني مسندي هو الاخر  للهنغاري فريدمان والى جانبهما السويدي ناثليا ديكوربك.
وسيقام على هامش البينالى نحو 39 معرضا وفعالية فنية تتوزع في كالريات وصالات المتاحف المهمة في المدينة، واهمها معرض عن المدرسة المستقبلية بمناسبة الذكرى المئوية لتأسيسها ونشر بيانها المستقبلي الاول على صفحات جريدة الفيغارو الفرنسية.
ولاول مرة توجه ادارة البينالى دعوة لمجموعة من الفنانين الاكراد من العراق وسوريا وايران وتركيا، للمشاركة في هذه الدورة، تحت اسم « فنانو كردستان» وحضر عن الفنانين الاكراد العراقيين كل من الفنان، آزاد ناناكلي، والفنان بهاء الدين احمد، ووليد مصطفى، حيث تنوعت المشاركة ما بين اللوحة المسندية واعمال التركيب والفيديو والتصوير.
كما تشارك ولاول مرة دولة الامارات العربية المتحدة( رئاسة ابو ظبي للثقافة والتراث) في الدورة الحالية للبينالى وذلك من خلال ركيزة هيئة ابو ظبي للثقافة والتراث للفنون البصرية التي تمثل برنامجا واسعا ومبتكرا للفنون البصرية. وتاتي هذه المشاركة في اطار تطوير الانتاج الفني وتعزيز الحوار الثقافي. ويشارك في منصة الهيئة التي تقام على مساحة 2800 متر مربع عدد من الفنانين الاماراتيين والعرب.
خصصت الدورة الحالية جناحا خاصا لفلسطين تحت عنوان» فلسطين بواسطة البندقية» ويشارك في المعرض سبعة فنانين فلسطينيين كلفوا باعداد اعمال فنية جديدة، وتم اختيارهم لالتزامهم المثابر ولقدراتهم على تناول مواضيع محلية وعالمية، وتضم اعمالهم المقدمة تقنيات متنوعة، منها التجهيز الصوتي،التصوير الفوتوغرافي، اعمال الفيديو، ومجمل الاعمال تعكس محنة الشعب الفلسطيني وقضيته الانسانية العادلة.
الجناح المصري شارك فيه كل من الفنان عادل السيوي الذي رسم لوحات طويلة لشخوص من بلاده، والفنان الشاب احمد عسقلاني الذي استخدم مادة الخوص في صنع شخصيات تحمل سمات تراثية وشعبية.
حضر حفل الافتتاح نحو 70 الف مدعو من كل انحاء العالم، واعلنت ادارة البينالى بانها صرفت نحو عشرة ملايين يورو كتكاليف اولية ستغطيها مبيعات تذاكر الدخول التي تقدر باكثر من نصف مليون تذكرة وكذلك بيع كاتلوك المعرض وما تقدمه شركات التلفزيون العالمية لقاء الخدمات الاعلامية داخل هذا المهرجان العالمي الكبير، اضافة الى الاعلانات الفخمة للشركات العالمية.