المغايرة الأسلوبية لدى الفنان التشكيلي صدر الدين أمين

المقاله تحت باب  مقالات فنيه
في 
07/02/2009 06:00 AM
GMT



 أخذت التقنية الرقمية مجالها الرحب في التطبيق في مجمل استخداماتها الخدمية مسقطة بذلك الافتراضات المكانية والزمنية عبر اختزالهما، فتقاربت المسافات وأصبح العالم برمته حاملاً توصيف القرية الصغيرة بفعل تأثير الانترنيت واستخداماته اللامتناهية في مجمل مناحي الحياة، ومن ضمن ما اخترقته هذه الرقمية، المشهد الثقافي الإنساني بكلياته وأول المتأثرين بها، الفنون بفروعها المختلفة. لذا تجد أن الساحة النقدية الثقافية متخمة بالمصطلحات الجديدة منها الصحافة الرقمية والمسرح الرقمي والرواية الرقمية والقصيدة الرقمية واللوحة الرقمية، وبرغم ما أشكل فيما أتفق عليه من وجود حتمي لمفهوم الرقمية بات مكرساً في الحياة الثقافية، نجد أن بعض الفنانين وخصوصاً التشكيليين منهم، قد عمد الى التعاطي مع هذه الرقمية بشكل مغاير لمجايليه من المشتغلين في الفن التشكيلي وخصوصاً الرسم.
 
من هنا تنفتح مقاربتنا التوصيفية هذه على تجربة جديدة في التعامل مع التقنية الرقمية، الا وهي تجربة الفنان التشكيلي (صدر الدين أمين)، حيث حرص هذا الفنان، الذي يصفه النقاد بـ الفنان البدائي نسبة الى نزوعه البدائي الشخصي في تقنية إنتاجه لوحاته، على أقامة معارضه الفنية عبر البريد الإلكتروني بغية عرض لوحاته متجاوزاً في الوقت ذاته، عبء القاعات الفنية وتقاليدها التي لا تتواءم مع الموجهات الفكرية لفنان بدائي مثله.

تقوم التجربة الخاصة بهذا الفنان، ومن خلال هذه الصيغة بإرسال لوحاته وعبر البريد الإلكتروني وتوزيعها على أصدقائه ومريديه، ففي معرضه الإلكتروني الأخير وزع أكثر من 40 لوحة مرفقة برسائل شخصية منه الى متلقيه، مملوءة بالسخرية والتهكم التي لا تستثني أحداً بمن فيهم الفنان نفسه.
أن الذي يثير الانتباه ومما يمكن ملاحظته في تجربة هذا الفنان، هو روحه الفنية المغلفة بالتوجهات البدائية عبر اشتمال لوحاته على هذا الأسلوب الخاص به وهو بذلك يعلن وجود اللاتواصلية بينه وبين الواقع الراهن المعاش عبر تبنيه الأسلوب البدائي الحامل لزمنه الافتراضي في الرسم مستخدماً الكتابة الصورية والخطوط المشتقة من بدائية المضمون داخل جسم اللوحة، ماكثاً في الزمان/ المكان الافتراضي.

وأنت تشاهد لوحة (صدر الدين أمين) تجد أن جميع عناصر الدهشة فيها، وهي المتأتية من رؤيته العالم بكونه عالماً مجنوناً حسب وصف الفنان له وهو بذلك يتحرر من كل عوامل التقيد التي تحجم حرية الفنان في أيجاد مساحة كافية للطيران في عوالم الانعتاق من أثار الهشيم الذي تغلف به العالم المحيط بالفنان، ولأنه قد أرسل لوحاته الى عدد كبير من الفنانين والمثقفين العراقيين والعرب، فأنه قد حفز الكثير منهم على الكتابة عن تجربته ووضعها داخل مرآة النقد بوصفها تجربة تبغي الانعتاق والتحرر والعودة للجذور الأولى في الرسم باستخدام أهم مظهر من مظاهر التطور العلمي والمتمثل بالتقنية الرقمية.

في لوحة الفنان التشكيلي (صدر الدين أمين)، هناك امتلاء كامل لسطحها بعدد كبير من الأشكال والمصغرات التكوينية فهي-أي اللوحة-مقاربة الشبه بغابة كثيفة الأشجار حيث تجد أن الفنان يستنفر مكامن مخيلته الثرية بغية الوصول الى زمنه الافتراضي مؤسساً بذلك  تجربته الخاصة به، وما يميز لوحته هو الاحتفائية التي تغلفها، فهي تحتفي برموزها ذات الطابع الاستثنائي، فهناك كل شيء من لاشيء.. الألوان في أعلى مراتب بهجتها وقوة التكوينات ذات الخطوط البشرية والحيوانية والنباتية، نابضة بروح الفنان التي تراها متجسدة عبر خطوط لوحته.

من الجدير بالذكر أن هذا الفنان قد استفاد كثيراً من ميثولوجيا وتجليات الحضارة العراقية القديمة، لكننا نجد أن موجهات الحضارة السومرية هي الأقرب الى اشتغالات الفنان البنيوية داخل عالمه الأثير «اللوحة» بفعل تقارب الحروفية التكوينية التي أشتغل من خلالها، مع هيئة الحرف السومري المنتمي الى شكل الكتابة الصورية.

يذكر أن صدر الدين أمين من مواليد كركوك عام 1963 درس في أكاديمية الفنون الجميلة في بغداد أوائل الثمانينيات، ويقيم مع عائلته في أمريكا (بنسلفانيا) منذ عام 2001.