المقاله تحت باب مقالات فنيه في
07/02/2009 06:00 AM GMT
يلجأ الشاعر العراقي موفق السواد إلى الرسم حين تتوقف قصيدته عند منعطف لا يؤدي إلى منفذ أو حين تعجز اللغة عن إنتاج المعنى الذي يريده الشاعر . الشك في الكتابة يقود أحيانا إلى ممارسة نوع من الطقوس السحرية ولا أقول الممارسة الفنية لان الفرق كبير بين الطقس والرسم بالرغم من إن الفكرة التي نتج عنها الطقس والرسم واحدة . بهذا المعنى يتوجه موفق السواد إلى القماشة لا ليرسم وإنما ليمارس طقسا سريا يشعر انه مدفوع لممارسته بقوى مجهولة هي نفسها التي تقف في طريق قصيدته المشاكسة التي لا تكتمل إلا بمجهود خاص ، قد يكون اللعب بحد ذاته جزءا من هذا المجهود لان موفق لا يهيئ اللوحة قبل الرسم ولا يفكر بنوع الخامة التي سوف يستخدمها لأنه لم يفكر بكل ذلك . إعداد اللوحة هي أخر شيء يقوم به .
في « الغاليري المفتوح « وهي فكرة دشنها عدد من الفنانين التشكيليين في مدينة خروننكن شمال هولندا ، تقوم هذه الفكرة على زيارة إلى غاليري الفنان الذي يريد إن يقيم معرضا من مجموعة من أصدقائه الفنانين الآخرين . حيث يقومون بطرح آرائهم في المعرض التي تعد بمثابة أفكار نقدية تسبق المعرض وتساعد الفنان في اختيار اللوحات الأكثر جمالا من أعماله . من حيث المبدأ لا يوجد فرق كبير بين قصيدة موفق ولوحته في أصالة الفكرة ، غير انه يكتب بروح الشاعر الذي يعرف كيف ينهي قصيدته التي لا تريد إن تنتهي ، ويرسم بروح الفنان الفطري البعيد عن أي تأثير خارجي . وإذا كانت قصائده تسبح في مناخات ذهنية اقرب إلى الفناتازيا والحلم وحلم اليقظة ، فأن لوحاته تنغمر في فضاءات التجريد من دون إن تتوقف في أي من هذه الأفاق التجريدية لأنها ببساطة شديدة لا تعرف لماذا ينبغي عليها أن تتوقف . وإذا كان يكتب من اجل إن يجمع نصوصه في كتاب كمجموعة شعرية ، فأنه مع الرسم حين يفكر في إقامة معرض فأنه لا يتنازل عن الغابة من اجل شجرة واحدة . لذلك تجد في كل لوحة عالما خاصا وتقنية مختلفة . من يرى لوحات موفق السواد أول مرة سيصاب بالدهشة والشك أيضا ، بالدهشة من هذا القفز على القانون والقاعدة في استخدام اللون وتوزيع الكتل وتلك الخطوط الوحشية في اللوحة ، بالشك من الجرأة في استخدام اللون من العصارة مباشرة على القماشة . وبيده غير المدربة يخرج أشكالا شبه ناقصة وتحن إلى الاكتمال ، لكن جمال هذه الإشكال يبقى في كونها ناقصة . لكن الدهشة والشك سيزولان عندما نعرف إن موفق لم يدرس الرسم وليس لديه فكرة عن مزج الألوان ، وانه يرسم بيد غير مدربة مثل الأطفال الذين يمسكون بالفرشاة أول مرة . انه يرسم بطريقة بدائية هي اقرب إلى الوحي منها إلى أي شيء أخر ، وحتى الغواية لا يمكن إن نطلقها على عمله ، فالغواية تنتج عن فكرة ما ، ما تفتأ تتقلب وتجر الفنان إلى دروب مسدودة أو تقوده إلى متاهات . في هذا المعرض « اثنتا عشرة امرأة « نواجه اثنتي عشرة امرأة لا تتشابه أي منهن في أي شيء سوى في الجنس « كلهن نساء « . فيهن السوداء والشقراء والملونة والشابة والعجوز . والأغرب من كل ذلك إن كل امرأة رسمت بتقنية خاصة وبألوان مختلفة . منهن من اختزلها الرسام بالشعر وحده وأخرى بكتلة سوداء ليس فيها سوى عينين مدورتين . فعن أي امرأة يبحث وماذا يريد إن يقول ؟ لا تخطئ العين صورة الأم المنفذة بألوان قاتمة لا يظهر منها سوى عينيها المرعوبتين . إما في اللوحات الأخرى فيمكنك أيضا إن تميز نساء كان الفنان على علاقة ما بهن من خلال بعض الحركات والخطوط القوية النافرة . ما يميز هذه الأعمال حقا هو حركة اللوحة التي تعيش ديمومة خاصة وإمكانية الإضافة والحذف وحتى التغيير أحيانا . الأفكار عنده غير كاملة حين يرسم مما يبقي كل شيء مفتوحا على احتمالات جمة ، وهذا بدوره ليس مهما لان هذا نفسه ما يمنحه الحرية في التجريب الذي لا حدود له . وهو بهذا كله ، كما قلت قبل قليل لا يرسم بقدر ما يقوم بطقس سري مدفوع إليه دفعا بفعل النهايات المفقودة . ولأنه شاعر فأن الرسم بالنسبة له أداة مكملة للامساك بتخوم القصيدة المتمنعة . هو يعبث بالألوان والخطوط والأشكال من دون وجل ، وبطريقته الخاصة غائصا في العمق ينتج أعمالا غاية في الجمال ، أعمالا يمكن وصفها بالجمال البري
|