المقاله تحت باب سينما و مسرح في
02/01/2009 06:00 AM GMT
إن اهتمام العراق بهذا النوع من الفنون لم يكن بعيد العهد أو في وقت مبكر، حتي أن المعنين لم يؤرخوا له. فقد شهدت مرحلة الخمسينات من القرن الماضي نوعا من الالعاب كان يطلق عليها، ألعاب (خيال الظل). وقد إشتهر واحد من مقدميها شخص يدعي (رشيد أفندي) يقوم بتقديم ألعاب خيال الظل للصبيان الذين تتراوح أعمارهم من ( 10-إلي 15 سنة) (1). أما في الفترة ما بين الأعوام 1956- 1968م فقد تطور نشاط عمل وصناعة الدمي في العراق لتطور فن الرسوم المتحركة وخاصة ما بعد ثورة تموز 1958م التي شهدت زيارة العديد من فرق الدمي الشهيرة والمتميزة لعدد من الدول مثل الصين، تشيكوسلوفاكيا، بولونيا، الهند، ألمانيا، وبلغاريا، مثل فرقة ( الثنائي الآل ني ايلة ) الذين تنوعت عروضهم واستخداماتهم لأنواع الدمي من (دمي قفازيه، ودمي صولجانيه، وعرائس الماريونيت ... وسواها ).
وقد ساعد في ذلك ايضا تأسيس تلفزيون بغداد ـ 1956م،الذي كان في مقدمة اهتماماته التركيزعلي تقديم برامج وحكايات وقصص للاطفال، وكان ذلك بمبادرة شخصية من المخرجين والعاملين في التلفزيون آنذاك(2). وحين أدركت إدارة ( تلفزيون بغداد ) هذا الاهتمام عملت علي استقطاب عناصر ذات كفاءة بعمل وصناعة الدمي وعلي تحريكها من أمثال ( عامر مزهر، وسامي الربيعي ) هذا الثنائي الذي استمر طويلا بالعمل في حقل الاطفال وبرامجه في مختلف المجالات الفنية التلفزيونية منها والمسرحية، وقد قاما بصناعة أول فلم للدمي المتحركة بعنوان (الخزاف )، وكان بطريقة ( الكادر- كادرSinge Frame ).
كما قاما أيضا بتنفيذ فلم (الطيارة الورقية) بطريقة القصاصات الورقية وعلي طريقة (خيال الظل) المعروفة في المسرح. وبعودة الثنائي (أنور حيران وطارق الربيعي) من القاهرة في عام 1959ـ وهما من المهتمين بمسرح الدمي ـ من القاهرة بعد انهائهم للدورة التدريبية في مسرح العرائس حيث اطلعا خلالها علي كيفية ( عمل صناعة الدمي وتحريكها puppets marionette )، علي يد (الفريد ميخائيل (3) وصلاح السقا (4) )، وقد شاهدا حينها العديد من عروض الدمي المختلفة، فاستحدثا برنامجاً جديداً اسمياه ( مسرح العرائس) إضافة إلي برنامجهما الذي كانا يقدمانه قبل سفرهما (قره قوز). وكانا قد شكّلا فيما بعد فرقة جوالة للعرائس المسرحية أطلقا عليها اسم ( مسرح بغداد للعرائس) طافا بها العديد من رياض الأطفال والمدارس والفنادق ومدينة الألعاب في اغلب مدن العراق. وفي نفس العام 1969م استقدم (تلفزيون بغداد) أحد مخرجي مسرح الأطفال والعرائس من المسرح القومي المصري وهو( إبراهيم سالم) من أجل إعداد فقرات منوعة للعرائس في العراق(5)، الذي استعان بمحركي دمي عراقيين، كانوا النواة في تأسيس قسم خاص ببرامج الأطفال في ( مصلحة السينما والمسرح ـ دائرة السينما والمسرح حاليا )(6) التابعة إلي وزارة الثقافة والأعلام. كما كان للخبرة السينمائية دورها الهام علي مستوي تنفيذ وعمل الدمي في السينما كذلك، حيث الدقة في الحركة زائدا اتباع متطلبات الشروط الفنية العالية. وكان حصيلة هذا الجهد فلمين هما: (القطة بوسي ) و(الأرنب الذكي)، وهما من إخراج : كاظم العطري وفيلم (حياة سعيدة) من إخراج: عبد السلام الأعظمي. لتبدأ بعدها مرحلة جديدة في تلفزيون بغداد الذي استحدث برنامجا نصف شهري باسم (عرائس بغداد)، الذي توقف لأسباب فنية أهمها صعوبة التنفيذ السريع للدمي وغياب المؤلف الذي يقدم الحكايات المناسبة للبرنامج. خصوصا بعد صدور توصيات ( الحلقة الدراسية العربية - في بيروت ) والتي نصت علي مراعاة" المربون والكتُّاب والفنانون أطوار النمو بالرجوع إلي الدراسات النفسية والتربوية "(7). فكان برنامج ( الشاطر ـ 1974) الذي يضم دميتين ل[الشاطر]و[بسمه] كانتا من النوع القفازي، دمية (الشاطر) حركها وتكلم لها (أنور حيران ) ودمية (بسمة) حركها وتكلم لها (أنور حيران). أعتمد البرنامج علي حوار كان يجري بين مقدمة البرنامج [هدي عبد الحميد] والدميتين. وبرنامج آخر بإسم (قصص وحكايات)، الذي اعتمد أيضا علي دميتين هما (الببغاء) و(الدب). وبرنامج اسبوعي آخر هو ( عائلة فاهم )(8). وكان لمسلسل ( حكاية أطفال ) المقتبسه حكاياته من حكايات ( كليلة ودمنة ) ومن ( قصص الأدب العالمي ) وحكايات محلية شعبية أخري تستهوي الأطفال مقتبسة من الموروثات الشعبية العراقية، والعربية، المعروفة والشائعة كتبت خصيصاً للبرنامج بتأليف محلي. وشهد العام 1976م وهو بداية البث الملون في تلفزيون بغداد، النقلة النوعية في عمل الدمي وبرامج الأطفال في العراق. حيث تم استحداث ( شعبة الدمي والرسوم المتحركة ) في مبني التلفزيون، وفيها يتم تنفيذ الدمي التي تصاحب الفعاليات المختلفة. هذه الحركة أدت إلي تطور البرامج ، حيث صاحبها انتاج أفلام دمي اكثر تطورا مثل (الطيارون الصغار) و(الأسد والفار) و(التنين) وغيرها.
وكان للاستعانة بالخبرات الأجنبية، من قبل المعنين اللذين اقاموا دورات تدريبية لستة عشر فناناً بإشراف ( بارو ميرا برودوفا ) و(فاتسلاف بولاك) وهما من تشيكوسلوفاكيا، وكان نتيجتها تأسيس شعبة خاصة لرسوم وتصميم الدمي من مجموعة من الرسامين والنحاتين المعروفين في العراق أمثال (محمد تعبان، وعامر مزهر) وغيرهم، واستضافة الرسام المصري (صلاح الليثي ) الذي صمم ونفذ دمي مسلسل (القطار الأخيرـ 1978م). يضاف الي أن العراق كان واحدا من الدول التي أنشأت (مؤسسة الإنتاج البرامجي المشترك لأقطار الخليج العربي) في 4 كانون الثاني 1978 في دولة الإمارات العربية في [أبو ظبي]،
وقد مثل العراق في اجتماعات اللجنة المؤسسة لها الفنانان فيصل الياسري و د.فائق الحكيم. اللذان كان لهما فضل التعاون مع ألمانيا الديمقراطية و تشيكوسلوفاكيا، كان ثمرتها فلم الرسوم المتحركة الطويل. [الأميرة والنهر]، والمشاركة في المهرجانات الدولية كمهرجان برامج الأطفال والشباب في (براتيسلافيا). وقد إمتازت هذه المرحلة بالمواضيع التراثية مثل أفلام (الماجينة)(9) التي نفذت بطريقة الدمي القفازية، و(المغيزل)(10) الذي نفذ بالقصاصات الورقية عام 1978م. كتبت السيناريو لها وأخرجتها [ فاتسلاف برودوفا ] أما الجهة التي قامت بتنفيذها فهي شعبة الدمي في تلفزيون بغداد. ونتيجة للمشاركات المستمرة للعراق في المهرجانات الدولية والعربية، ولضرورات تصدير الأفلام المنتجة محليا إلي دول العالم المختلفة، ابعد قليلا تلك الأفلام من محليتها وقلل من استخدامها للهجة المحلية ضيقة الفهم التي استبدلت باللغة العربية الفصحي وأدخلت عليها[ الدبلجة الي اللغات المختلفة ] وهي حالة صحية لوصول المنتج المحلي الي بقية انحاء العالم. وهكذا كان لدخول الخبرة الأجنبية دورها الإيجابي المساعد في اعتماد الدقة في استخدامات الديكور والإضاءة والملابس وبقية عناصر الإنتاج الفني. وكذلك في توخي الدقة في تصنيع الدمي المحلية من حيث أشكالها وألوانها وحجومها والمواد التي تدخل في صناعتها.
أما السنة المثالية في الانتاج، بل السنة الأضخم في الانتاج علي المستوي العربي فهي السنة التي تزامنت مع ( السنة الدولية للطفل ) بإنتاج البرنامج التعليمي المنوع ( افتح يا سمسم Mobbite Show ) الذي برز من خلاله خط جديد في نشاط عمل الدمي، المتمثل في تصوير الأغاني التراثية بالدمي القفازية والصولجانية ذات الأسلاك. من هذه الأغاني (هيلا يا رمانة)، (كشك وعدس)، (بلي يا بلبول)، (يا زكريا)، (هيدو)، (يا كمرنا لا تغيب)، (الله مصبحكم بالخير)، (شدة يا ورد)، ( اشكمو ياشيب)، ( يا يمّه إنطيني خريزة)، (يا حوتة يا منحوتة)، ( طلعت الشميسة علي قبر عيشة )، ( يا خشيبة نودي نودي)، وغيرها. كما تم تنفيذ مسلسل (سفينة الحكايات) عام 1981م وهو إنتاج (عراقي - سوري) مشترك. ومسلسل (علي بابا ) عام 1981م كتبهما الكاتب المغربي محمد السملالي، ومثل شخصية [الراوي] فيها الممثل سامي قفطان. ومن الأفلام التي أنتجتها شعبة الدمي: الفيلم الملون 16ملم (الأخوات الثلاثة) وكان من إخراج: فلاح زكي، وفيلم (الجسر الجديد) لعزي الوهاب، وفيلم (الفأر الرسام) وفيلم (الكلب والأرنب)، وأفلام أخري.
ان استذكار الماضي غير البعيد الذي سقناه ليس الا العزاء الأكيد، من غياب الحاضر غير الآبه بضرورة العناية بمسرح الطفل في العراق. ولم يكن مهرجان مسرح الطفل الذي اقامته دائرة السينما والمسرح، في دورته الخامسة في 2/تشرين الثاني 2008, الا جزء من رد الاعتبار للتوجه القديم ـ الجديد الذي يتوجب ان يكون حتميا من أجل بناء المجتمع الذي نسعي اليه جميعا.
الهوامش 1. السامرائي ، عبد الجبار محمود : رمضانيات ، مجلة العاملون في النفط ، بغداد ، كانون الأول 1969 ، ص 26 . 2. من أهم من قدم للأطفال واهتم بفنونهم هم : علي الدبو ، محمد الجنابي ، فيصل الياسري ، حمودي الحارثي ، كمال عاكف ، عزي الوهاب ، عبد الهادي مبارك ، حسين التكريتي ، عمانوئيل رسام ، إبراهيم الديواني ... وآخرين ) . 3. مدير مسرح العرائس بالقاهرة . 4. مخرج مسرح عرائس ، من اشهر عروضه التي أخرجها ( الليلة الكبيرة ) ، تأليف وأشعار : صلاح جاهين . 5. العاني ، فاضل : مسرح العرائس اصله عراقي ، جريدة الجمهورية ، بغداد ، 17 حزيران 1969 . 6. علي ، فاضل عباس : الأطفال والبرامج الإذاعية والتلفزيونية ، مجلة وعي العمال ، بغداد 2 آيار 1979 ، العدد 13 ، ص29 . 7. من توصيات الحلقة الدراسية ( العناية بالثقافة القومية للطفل ) ، بيروت من 7-71 أيلول 1970 ، منشورات اتحاد إذاعات الدول العربية ، ص 189 - 197 . 8. هذا المعهد كان تابعا لوزارة الثقافة والإعلام - المؤسسة العامة للسينما والمسرح . 9. الماجينة : وهي لعبة أطفال تؤدي في ليالي شهر رمضان ، وهي فولكلورية متوارثة. 10. المغيزل : تصغير لكلمة ( المغزل ) ، وهي الأداة البدائية التي يتم بواسطتها صنع الخيوط من صوف الأغنام ، وتهيئتها للحياكة .
|