المقاله تحت باب مقالات فنيه في
16/11/2008 06:00 AM GMT
شارك الفنان التشكيلي العراقي كريم سعدون في معرض (الطبعات المصغرة للجرافيك) في مدينة كوبنهاجن السويدية، وهو فن انتقل في تطوره من أشكاله التقليدية الى الأشكال المفتوحة على أحدث التقنيات الإلكترونية، مثل الديجيتال، وكذلك مزج الطباعة اليدوية مع الفوتوغراف العادي والإلكتروني.
عن مشاركته مع زميله الفنان أحمد بجاي في المعرض يقول: أثناء مشاركتي في معرض الليتوغراف في مدينة تيداهولم السويدية، حضر اليه مدراء معارض عالمية أخرى. بعد أيام من انتهائه بدأ بعضهم بالاتصال بنا. من بين الدعوات كانت دعوة المحترف الدنماركي لطباعة المصغرات. وفي الحقيقة لم يكن عندنا تصور عن طبيعة هذا المحترف، كنا نتصوره ورشة بسيطة تريد الأعلان عن نفسها، لكننا اكتشفنا أنها مؤسسة كبيرة ومدعومة من الدولة، هي عبارة عن معسكر قديم حولوه الى معرض. ومن شروط المشاركة فيه ان يوقع المشاركون تعهدا ينص على عدم أرجاع المعروضات والاحتفاظ بها في متحف يضم نماذج من الكرافيك العالمي ومكانا مفتوحا للدارسين والباحثين في هذا الفن.
والجديد فيه، هي كل التقنيات الحديثة ومنها تقنيات الكومبيوتر والمستخدمة بشكل واسع. والجديد، بالنسبة لي، جمعه التقليدي مصحوبا بتقنيات الطباعة الحديثة. لذا يمكنني القول إن العرض كان عرضا لأحدث التقنيات الخاصة بفن المصغرات ومفهومها الواسع. فنحن في العراق لم نكن نعتبر استخدام نسبة قليلة من الغرافيك التقليدي وأضفاء تقنية طباعية عليها فنا. لقد استخدمنا نحن في بلدنا مثل هذة التقنيات، ولكننا للأسف لم نعتبرها كرافيكا. الآن، وبعد مشاركتي في هذا المعرض بدأت الاعتراف بها كفن كامل.
وعن استقبال أعمالهما في السويد يقول: صورنا المعروضة ليس لها مناخ شرقي أو خطاب لفن واحد. في أعمالي عالجت موضوعا إنسانيا، تمثل في وجه صديقي الفنان أحمد بجاي، والتغيرات التي أحدثها الزمن فيه. هو، مثل غيره، شخص يتغير كل يوم، يكبر في كل لحظة، والتعب ومشاكل الحياة تأخذ قسطا من قوته. كل هذة التغيرات رصدتها تشكيليا. وقد ابدى المدير الفني للمتحف اعجابه بعملي واستفسر عن الطريقة التي اتبعتها في طباعة هذة الأعمال، وماذا تعني الطريقة التي أسميتها (طباعة ليمتريك) الطباعة الصمغية، وهذه أقرب تسمية لها بالعربية؟. لقد وضحت له استخدامي برنامج الفلاتر عبر برنامج (الفوتو شوب) لطباعة هذه الصور. لقد أخذت من شبكات الألوان الطباعية القديمة، أسلوبها، لعرض الشكل الآخر للإنسان الذي أقابله كل يوم، وأردت اظهار الحالة الداخلية لهذا الكائن. وبتقديري ليست هناك طريقة أنجع من الليمترك لعرض جوانيات التمظهر الخارجي لهذا الكائن.
وحول رأيه في مواجهة الفنان الفردية، للمؤسسات التشكيلية يقول: عندما كنا في العراق، كانت تصلنا دعوات للمشاركة في معارض خارجية محدودة وقليلة. وكانت جلها تذهب وبشكل شبه رسمي الى مجموعة من الفنانين، وكأنها مخصصة لهذا النفر دون غيرهم. هذه المحدودية لم تعط، عالميا، فكرة كاملة عن مستوى تطور الفن العراقي. فالدعوات كانت تصل للمؤسسات الرسمية وهي توزعها. الأن الفن العراقي خرج من هذا الحصار. والكثير منهم الآن في الخارج، وقد بدأت، منذ سنتين تقريبا، المؤسسات الفنية الاهتمام بفنانين عراقيين لهم حضورهم. بكلام آخر، بدأت مشاركتنا تثير انتباهها لأسباب عديدة منها: أنك من العراق، أي فنان لديك قضية. من هذا المنطلق ومع الوقت بدأوا يدركون أن هناك فنانين يستحقون الاهتمام بهم والتعاون معهم. ولا أخفيك ان بعض الجهات التي كنا نضطر التعامل معها كانت تعتقد ان التقنيات التي نستخدمها هي قديمة وغير ملائمة للحاضر، بل لاترتقي الى مستوى التقنيات الحديثة. فمثلا لم يكن يصدقون أو يتصورون أنك كنت تشتغل في بلدك أعمالا تركيبية أو تعمل مع (الفديو آرت) أو أنك مطلع على هذا الجانب من التقنيات الحديثة. وفي أحدى المرات سألني أحد الاشخاص إن كنت أعرف مادة الأكريلك! على العموم كانت هناك فكرة مسبقة. وبالمقابل أتفق معك، ان وجودنا هنا يفرض علينا البحث والتعمق في المعارف التشكيلية وتجريبها. لقد تحولت التجارب الفردية الغربية الى تقنيات جماعية، لذا على الفنان المهاجر الاندماج مع شروط العرض الأوروبي.
وبسؤاله: كتشكيليين عراقيين ألا تحتاجون الى مؤسسات تخلقونها بأنفسكم للتتبادلوا الخبرات والتجارب، يجيب: صراحة، انها مشكلة كبيرة يواجهها الفنانون والمثقفون العراقيون في هذا البلد. فمدن السويد متباعدة. وفي داخل المدينة الواحدة يعيش الفنان عزلة من نوع آخر، عزلة غريبة. وحتى جمعية الفنانين التشكيليين في العاصمة استوكهولم لا يمكن الاعتماد عليها في جمع كل التشكيليين الموجودين في هذا البلد. المشكلة الآخرى، ان الفنانين بدأوا يستمرئون العزلة. صاروا يستثقلون تأسيس اتحاد لهم. لقد حاولنا تأسيس جمعية فنية للعراقيين تضم مكونات ثقافية أخرى، لكننا نصطدم بجدار عال. والسبب وجود تجمعات تدعي تمثيلها للثقافة وفي حقيقتها تمارس نشاطا اجتماعيا أكثر منه ثقافيا. ومع واقعها الاجتماعي، أصبحت تشكل عائقا أمام الفنانين الأخرين الراغبين في تأسيس تجمعات متخصصة. ومن هنا صعوبة الاتصال بمجموعة من الفنانين وتبادل الخبرات معهم. لكن يبقى هذا المسعى طموحا ننشده مستقبلا، لنتمكن من عرض أعمالنا وتجاربنا أمام أنفسنا، أولا، قبل عرضها على الآخرين!
|