قراءات خارج نص المواطنة في معرض امجد الطيار

المقاله تحت باب  مقالات فنيه
في 
01/11/2008 06:00 AM
GMT



 

في معرضه الشخصي الثاني الذي أقامه في قاعة بيت الثقافة التابع لبلدية مدينة (نخو) السويدية للمدة من 27 أيلول _ 28 تشرين الأول 2008 يتأكد مسعى الفنان أمجد الطيار التعبيري التجريدي بعد تجربة معرضه الأولى التي أقيمت في قاعة مدارات للفنون ببغداد العام الماضي وبعنوان "موسيقى الشمع".. إلا أن هذا التأكيد لم يأت على نحو مطّرد ومتشابه بل طرأت عليه بعض التغييرات أولها يتأتى من النظر الى العنوان الذي حمله معرض هذا العام وهو "قراءات خارج نص المواطنة" ولو أردنا تفكيك هذا العنوان لاهتممنا بمقول مسبق حاول الفنان توجيه عناية المتلقين اليه ومن ثم توجيه التلقي بمؤشرات من خارج اطار اللوحات الموجودة..
إذ أولاً نحن نتلمس سعياً الى تحقيق قراءة بالمعنى الاستنطاقي للبيئة أو للطبيعة لا المعنى الاشاري العابر، وإن حاول الفنان تشويش هذه الملاحظة بإشاعة تمويه ما على الوضوح الظاهر في سياق اللوحة.
ثانياً ثمة إحالة الى نص سابق والنص هنا يعني مقروءاً عيانياً سابقاً وهذا مما يعطي فضاء تأويلياً لما هو مختلف عن المعطى البيئي أو الطبيعي الأول ونحن بالفعل نلمس ذلك باستقرائية الفنان لمكونات جديدة تشغل إنشاء اللوحة.
ثالثاً يتم نوع من الترجيح بين كفتي ما هو تعبيري وما هو تجريدي فيما يريده الفنان مسبقاً وما يجسّده أي أن التعامل يأتي عبر قصدية واعية لهذين الخيارين اللذين يحكمان التوجه الفني للمعرض عامة.
من أولى اهتمامات المعرض دفع المتلقي الى تكملة قراءة اللوحة بقراءته الخاصة، فمن البيّن أن المكونات غير المكتملة والمساحات المشغولة باللون المموّه أي غير الدال على نحو حتمي والمديات الحرة لرسم الأشكال تدفع بالمتلقي إلى ممارسة دوره في إكمال المشهد غير المتاح له كاملاً باللوحة وتفعيل خياله بمنطلقات مبدوء بها في اللوحة.
مما يعني أن المعرض الشخصي الثاني للفنان الطيار قد أفسح عن إمكانية للمتلقي عبر تركه نوعاً من الفراغات المرصودة بقصد في نص اللوحة الذي هو اصلاً قراءة لمكان مختلف عن مكانٍ أول مما يدفع القارئ الى البحث في ملء هذه الفراغات بتأمل مقابل وإجراء مقارنة بين مكان أول محتم وجوده في المخيلة ومكان ثانٍ موجه اليه عبر الرسوم والاشكال والضبابية الظاهرة، هذه المقارنة محكوم بها المتلقي ومدفوع باتجاهها في خضم مزاوجة عاطفية بين المكان المختفي والآخر الظاهر. المكان الظاهر هو مكان غريب ومختلف وجديد على العين وقد تحقق ذلك من ملاحظة تهميش إتمام الشكل ونشر لون محايد غير حاد وغير قطعي في المساحات والكتل. بل أكاد ألمس كمتلقية شعوراً كابياً للوجود في هذه النقاط من الطبيعة وتسجيلاً حزيناً قد لا يقصد اليه الفنان في ما أوجده من إنشاءات أجدها مختلفة عن الألوان الزاهية الذي تجلت في لوحات المعرض الشخصي الأول.

 
 
كذلك ثمة دلالة قد يستشعرها المتلقي للاستطالة المبالغ فيها لحجوم بعض اللوحات، ولنسبة الطول الى العرض. فليس غريباً في ظل هذا أن نجد الأشكال ممتدة عبر طول مسوّغ ضمن امكانات القراءة المقدمة في هذا المعرض. كذلك ليس غريباً أن نجد أن المعرض قد رسم بمواد مختلفة وهذا منسجم مع الاحتياج الى التنوع في رسم الآخر المختلف لا المتشابه وغير المتسق مع المكان الضمني الأول المشار اليه ممثلاً عن مكان غائب لكن هو موجود بقوة من أجل المقارنة والإضافة اليه.
لا يمكن إغفال وجود نوع من التوازن تحقق عبر توزيع خاص لكل من المكونات من جهة والمساحات الممتدة من جهة ثانية فلقد ميز هذا التوزيع ايقاعاً فاصلاً بين المكانين أو الطبيعتين أو البيئتين المضمرة والمعلنة، أو المختفية والظاهرة، ولعل للخط العرضي الفاصل في بعض لوحات المعرض هيمنة دالة على بحث ورغبة في تخطي عقبة ما هو معلوم من أجل سلوك درب جديدة واكتشاف ما ليس معلوماً مسبقاً. أو هي محاولة تشي بخطوط مضاهية لما في البيئة كمثل الخط الفاصل بين الأرض والسماء وسوى ذلك ومثل هذه الخطوط محرضة التلقي الى البحث عن العلاقات الدالة والمعنى الحاد الذي قد تتجه اليه..
لقد حقق الفنان أمجد الطيار عبر معرضه الشخصي الثاني نوعاً من رؤية فنية خاصة ومزاج نفسي خاص ابتدأ من اختيار عنوان المعرض الذي كان ذكياً ودقيقاً ومنبهاً في إثبات حضور نص أول موجه لنص لاحق من جهة.. وفي استمرار الاهتمام بالطبيعة، واستمرار السعي الى تحقيق نوع من التوازن في الايقاع باللوحة على مستويي اللون والشكل، واستمرار النزوع التعبيري التجريدي وإن كان على نحو جزئي تجسد عبر انفعال آني او انهماك بالموضوع مما أثمر مزاجاً خاصاً في قراءة المعطى البيئي أو الطبيعي الذي انتشر في لوحات المعرض كافة كذلك في دوره المركز على المتلقي مشاركاُ له في إنتاج العمل الفني ومتفاعلاً وحيوياً