المقاله تحت باب مقالات فنيه في
22/10/2008 06:00 AM GMT
لوحة كاريكاتيرية لعبدالرحيم ياسر
يحاول رسامو الكاريكاتير في العراق مجاراة التغيير الذي أطاح بنظام صدام العام 2003، رغم ألوان معاناتهم العديدة، التي ليس آخرها غياب رؤية واضحة لمفهوم الحرية في العمل الصحافي. فبعد العام 2003، وجد الصحافيون العراقيون، ومن بينهم رسامو الكاريكاتير، أنفسهم أمام مساحة غير معهودة من الحرية، لكنها حرية محكومة بتشابك الخيوط، وتعدد منابع الخطر، وقد تضع صورة نقدية لرسام كاريكاتير ما صاحبها في مواجهة حزب سياسي متنفذ، أو جماعة مسلحة، أو ربما إحدى الجهات الحكومية. لكن ذلك التشابك لم يمنع المشتغلين في هذا المجال الفني من شغل حيز كبير في ساحة صناعة الرأي العام، فكانت رسومات الراحل مؤيد نعمة، والمخضرم خضير الحميري، محط اهتمام النخب السياسية والثقافية، لما تحمله من معان توثق الكثير من التطورات التي أعقبت الإطاحة بالنظام السابق. ومؤخرا، أثيرت ضجة برلمانية حول رسم نشرته مجلة (الأسبوعية)، يظهر امرأة مسلمة تحمل متفجرات، وتقف بالقرب من نصب الحرية الأميركي. وعلى الرغم من أن المجلة أكدت أن الرسم يهدف إلى إدانة عمليات تجنيد النساء في صفوف تنظيم القاعدة، من أجل تنفيذ عمليات انتحارية في العراق، فإن رئيس البرلمان محمود المشهداني أصدر قرارا منع بموجبه توزيع المجلة في المباني التابعة للبرلمان، فضلا عن منع مراسلي المجلة من تغطية أنشطة البرلمان وجلساته. «أوان» حاورت عددا من رسامي الكاريكاتير في العراق، حول واقعهم وطموحهم، إذ يرى رئيس الجمعية الإعلامية لرسامي الكاريكاتير في العراق حمودي عذاب أن «رسام الكاريكاتير عانى، ولا يزال، التهميش والإقصاء، ما يدفعه إلى مزاولة مهنة أخرى غير مهنته الأصيلة». وأوضح عذاب لـ«وان» أن «الجمعية، ومنذ تأسيسها، هدفت إلى بناء قاعدة رصينة يستند إليها رسامو الكاريكاتير في العراق، لضمان حقوقهم، فضلا عن المحافظة على ما هو متاح من مساحة الحرية، والعمل على مواجهة التحديات الساعية إلى تقليصها». وتابع أن «الجمعية أخرجت مطبوعا بعنوان (الفلقة)، وهو عبارة عن مجلة شهرية ساخرة»، مضيفا أن المطبوع «يسهم فيه أكثر من 50 رسام كاريكاتير، عبر نشر رسوماتهم الناقدة لما تعانيه البلاد، لكن من دون تجريح أو تشهير يستهدف أية جهة أو طرف». وانتقد رئيس الجمعية «ضعف التمويل وقلة الاهتمام الحكومي بتلك الشريحة المثقفة في المجتمع». ولفت إلى أن «الجمعية دعت الجهات الحكومية مرارا إلى دعم أعضائها، لكن من دون جدوى»، مؤكدا «استمرار الجمعية في طرح مطالبها أمام أنظار المسؤولين في الحكومة لحين إنصافها». وكانت مؤسسة (تراي) الثقافية العالمية أنشأت، بمعية عدد من الفنانين والمثقفين من داخل العراق وخارجه، متحفا الكترونيا للكاريكاتير العراقي. ويمثل هذا المتحف حصيلة رقمية لأعمال جمع وتوثيق تشمل كل ما يمت إلى الفن الكاريكاتيري العراقي وتاريخه ورواده وفنانيه وصحافته بصلة، فضلا عن رعاية وتطوير المواهب الشابة. رسام الكاريكاتير في صحيفة (المدى) المستقلة اليومية، قاسم حسين، أشار إلى أن «مساحة إبداء الرأي من خلال الرسوم الكاركاتيرية أصبحت أوسع مما كانت عليه في زمن النظام السابق الذي كان يلاحق كل منتقديه، أيا كانت وسيلة نقدهم». وأضاف «كان الرسام في السابق ينأى بأعماله عن المساس بذلك النظام وأجهزته القمعية خوفا من الملاحقة والتصفية الجسدية»، موضحا أنه «بعد 2003 باتت الفرصة متاحة للجميع في أن ينتقدوا أو ينبهوا على حالة معينة أو ظاهرة تمس المجتمع، لكن الكاركاتيري لم ينتفع من هذه الحرية بشكل واسع، لأن اغلب المطبوعات في العراق الجديد تتبع تيارات وأحزابا مرتبطة بالحكومة، وبالتالي فإن بعض الرسوم لا ترى النور بسبب عملية (الفرمتة) التي تفرضها تلك الأطراف الحزبية المتنفذة في اغلب المؤسسات الاعلامية». وكشف حسين، خلال حديثه لـ«أوان»، عن حيازته ملفا، أطلق عليه (الرسوم المرفوضة)، و«يضم جملة من الرسوم الكاركاتيرية الساخرة التي توجه النقد في أغلبها إلى المؤسسات الحكومية والخدمية التي لم تؤد واجبها بشكل صحيح إزاء المواطن». وقال «رغم حاجة المواطن العراقي إلى مثل هذه الأعمال، إلا أنني فشلت في نشرها في الصحف العراقية التي أتعامل معها»، رافضا تسمية أي من تلك الصحف. ودعا حسين الحكومة العراقية إلى «الاهتمام برسامي الكاريكاتير، شأنهم شأن جميع المثقفين العراقيين، وان تعمل على إيجاد معهد تدرّس فيه فنون رسم الكاريكاتير والرسوم المتحركة، فهو فن مستقل بذاته عن باقي الفنون». من جهته، أكد رسام الكاريكاتير في صحيفة (الزمان) المستقلة اليومية، عودة الفهداوي، أن «كل رسام كاريكاتيري في العراق لديه خطوط حمراء لا يستطيع تجاوزها». وقال «إذا ما رصد الرسام خللا في وزارة ما، وتأكد من أن السيد الوزير هو من يسبب هذا الخلل، فإن الرسام لا يستطيع أن يوجه انتقاده بصورة مباشرة إلى الوزير، لذلك يلجأ إلى التركيز على الوزارة بصورة عامة في الرسومات، بهدف الابتعاد عن الملاحقات التي قد يلجأ إليها المسؤولون الحكوميون». وأضاف «المشكلة تكمن في عدم وجود قانون يحمي الصحافيين في العراق، وبالتالي فإن الحدود بين الصواب والخطأ غير واضحة». وخلص الى القول «قبل ان نبحث عن التميز والجميل في الرسوم الكاريكاتيرية، علينا أن نمنح الرسامين حقوقهم بالحرية الكاملة، المؤطرة بإطار قانوني يحفظ حقوق الآخرين».
|