عمران القيسي في " عالم الإشارات الشرقية "

المقاله تحت باب  معارض تشكيلية
في 
24/09/2008 06:00 AM
GMT



تعرض "غاليري ماستر بيس"، الحمراء، للفنان العراقي الاصل والمقيم في لبنان عمران القيسي 25 لوحة من مراحل مختلفة تم اختيارها من بين مجموعة كبيرة موجودة في محترفه، فكأنها جزء من اشارات تحوم حول كل لوحة وكل حركة خطية او خطوطية.
مضت مدة طويلة بين هذا المعرض الذي يستمر الى 9 تشرين الثاني، والمعرض الذي سبقه، لكن الفنان يبقى منسجما مع نفسه فلا يحيد مساره الفني عن الاسلوب الذي يتبعه منذ سنوات وهو مزيج من تجريدات تنبع من التزاوج بين الحروف والتكتلات اللونية. هذا التوجه لدى القيسي يدل على رغبته في اظهار الاتكاء على المصادر الشرقية مع الاستفادة مما انتجه الغرب خلال النصف الثاني من القرن العشرين.
المعرض الذي يقوم على الاختيار بين أعمال من سنوات ومراحل مختلفة لا يؤذي المزاج العام للعرض. فثمة مناخات تجمع اللوحات وتجعلها تنضوي تحت سماء واحدة، وان تكن ذات توجهات متفاوتة. انها تُشتقّ احيانا من خليط خطي يقوم بحبكة السطح، واحيانا اخرى نجد ارادة في مراعاة الاجواء الفرحة مما يجعل ارض اللوحة موحدة اللون. ثم تستقر فوقها الاشكال المكوكبة بعضها حول البعض، حيث يتلاعب الفنان بذكاء في تهميش الجزئيات وفي ابراز العناصر التي تميز تلك اللوحة عن مقدمة اللوحة التي تليها.
ينفذ القيسي بعض اعماله بمادة لماعة ومجمدة وكأنها تنبع من خليط زجاجي متنوع الحجم ومفرقع في تلاوينه. هذا التنوع في العمل وفي التنفيذ يولّد تناغما مقبولا بين تبسيط الكلمة المختارة فكأنها الهدف الاساس وحولها لا شيء سوى الفراغ، وبين التعامل مع الكتابة ليس لرغبة في ايحاءات فكرية بل كأسلوب شرقي تتقارب فيه التزيينات الفرحة من دون ان يذوب بعضها في البعض الآخر. انها مشدودة الى عناصر قليلة لها مفاعيل جمالية تبدو متشوقة للالتحاق بما يهرب في متاهات فرضية تخرج من إطار اللوحة العام لكي تتفادى التفريق بين مغزى وآخر.
لوحته متحركة وتوحي انها مكونة من مواد مختلفة لا تقوى عليها التدخلات الخارجية. تتراكم الكتل أحياناً وفق منطق مقنع. يشقعها الفنان من اجل اعطاء الانطباع بأن المكونات تنتقل من حجم الى اخر لكي تفلت من الانكماش تحت سقف تم تطويعه للإنفلاش خارج الاطار الكبير. يُدخل الفنان في اطراف اللوحة المواد التي تساهم في تكبير المشهد العام. هنا يكتب آيات مقدسة موحية بالرموز، تقال وتتردد على الألسنة إما عن ظهر قلب وإما لطرد شياطين قد ترغب في زعزعة الايمان الذي يمثل خلف الشعارات او الكلمات ذات المعاني المعروفة لدى كل قارئ للمدونات والكتب المقدسة. عند هذا الحد، تكبر التحديات الشكلانية. هنا تضخيم في كتابة الكلمات، وهناك يصبح الخط كظلال تترجم حركات لاشعورية في داخل قفص او مربع او مثلث. لهذه المهمة يلجأ القيسي الى طرق عدة لتكوين عمله، لكنه لا يتراجع في الاختبارات ولا سيما في ما يتعلق بالمادة الاساسية التي استعملها في مراحل معينة من مساره الفني.
صحيح ان المجموعة المعروضة هي 25 لكنها تمثل مراحل مختلفة حيث للتأليف دور مهم. تتدخل احيانا هوامش في اللوحة فتثقلها لكن في لوحة اخرى تصبح الشكلانية خفيفة وشبه طائرة. في هذا الانحياز الى الخطوط والحروف يسير القيسي في طريق ذات امكانات قد تصبح لاحقا ابتكارات اذا ضحّى باستعماله الالوان المخلوطة عشوائيا ولجأ الى صبغات مدروسة اكثر لتتلاحق من دون ان "تتجلغم" او تتجمد في مظهر يشبه الفخاريات التي تُخبز كما الزجاج او السيراميك.
كان من الافضل ربما ان تكون الاعمال كلها من المناخ نفسه حتى ولو طعِّمت بعدد قليل من الزجاجيات الممزوجة والمتروكة فوق ارض فارغة من اي اشارة، تضيّع العين وتساهم في التيه بدل التركيز في مكان واحد لا غير. المهم أن هذا المعرض يخبرنا اين اصبح الفنان الذي غاب طويلا لكنه يقدم الينا اليوم خلاصة اختباراته وفيها اللوحات التي ترضي وإن تكن واقعة تحت تأثيرات بصرية لماعة من دون ان تقنع تماما بقيمتها وجديتها الفنية.