المقاله تحت باب في الموسيقى والغناء في
27/08/2008 06:00 AM GMT
لست ناقدا موسيقيا وان ما ساكتبه لايعدوا ان يكون سوى مجموعة أنطباعات شخصية حول ما قدمته فرقة (مقامات) بقيادة الفنان انور ابو دراغ في مساء يوم الجمعة المصادف 22 أب الجاري، حيث كانت وبحق مسك ختام فعاليات مهرجان أيام الثقافة العراقية في كوبنهاكن . من الؤكد ان الاستماع الى المقامات العراقية والاغاني التراثية في هذا الزمن لابد وان يحيل المتلقي الى فضاءات وذكريات وهموم سابقة ، في نفس الوقت الذي يدفعه وبقوة لاطلاق حسرة على ماضي هو بكل الاحوال لم يكن جميلا لكنه كان امنا وان الاستماع الى أغنية ما لم يكن قابلا للتأويل او للاسقاط او للتفسيرات الخاطئة... أبحرنا مع فرقة (مقامات) في مجموعة من الاغنيات والمقطوعات الموسيقية العذبة والجميلة وقادتنا ودفعتنا للعيش عبر ذكريات لاتخلو من الحزن الشفيف او المؤلم حد البكاء ، الى فضاءات بغداد وشوارعها ولياليها الجميلة والى شواطىء دجلة الخير وزاد من شدة هذا الاحساس المؤثرات الصورية التي أعدها وأخرجها طارق هاشم لتكون مرافقا مؤثرا في ذائقة المستمع والمتلقي بحكم الانطباع الذي يتولد لحظة مشاهدة صور لشوارع بغداد القديمة او مقاهيها او حدائقها وأسواقها ، صور للزهاوي والرصافي، داخل حسن وحضيري ابو عزيز، لعفيفة أسكندر وناظم الغزالي او صور لبعض العازفيين من ذلك الزمن ، اذ ان هذه الصور كانت تظهر تباعا في خلفية المسرح لتزيد من حميمية وألفة الحضور وأنشدادهم وتفاعلهم مع الدفق الموسيقي الجميل الذي ينبعث من حناجر والالات أعضاء فرقة مقامات وعازفيها المبدعين. لقد توافرت لهذه الفرقة عناصر النجاح رغم انها تنشط خارج مكانها الطبيعي وخارج حاضنتها وجمهورها وفضاءاتها ولعل من اهم تلك العناصر مجموعة العازفين البارعين الذين يجيدون العزف على الات شرقية بحرفية عالية وبحس طافح بالنغم الموسيقي وبثقافة موسيقية وأكاديمية متقدمه (علاء مجيد..عازف ناي، كاظم ناصر...عازف عود، قاسم عبد ...عازف سنطور، ستار الساعدي ...عازف طبلة، محمد الربيعي ...عازف رق، انور ابو دراغ ... مغني وعازف لاله الجوزة والعود) ... نقول ان هذه الفرقة تنشط وبنجاح خارج مكانها الطبيعي ولايجمعهم مكان واحد، لانها تتكون من مجموعة من العازفين الذين يعيشون في بلدان مختلفة... هولندا، بلجيكا، السويد وألمانيا...الخ ، لكن ما يربطهم هو حبهم لفن لايريدون له ان يتوارى او ان يكون مجرد ايقونة في متاحف التراث او مجرد مثال في الابحاث والدراسات . لايبحثون عن الربح او الشهرة المرضية ، وان بامكانهم ان يطورو عملهم من خلال تنويع ما يقدمونه ودون الاعتماد على مغني واحد رغم حلاوة صوته وأحساسه العالي .
أن ما يميز عمل فرقة مقامات هو سعيها لانقاذ نوع من الغناء العراقي الجميل تمكنت السلطة السابقة في العراق من تشويهه بشكل بشع ودفعت بالجمهور العراقي الى مواجهته بموجة من التندر والسخرية وحتى الكراهية كونه اصبح ، أي المقام والاغاني التراثية البغدادية القديمة ، مصدرا للازعاج بسبب اصرار السلطة على تقديمه عبر شاشات التلفزيون بشكل متواصل ومستفز وبواسطة مؤدين رافقهم الفشل كونهم اصوات لا تمتلك الموهبة والقدرة على التطريب ولكنها تمتلك القدرة على أزعاج المتلقي و المستمع والقدرة ايضا على تشويه غناء تقدمه دون أحساس . السلطة السابقة ومؤسساتها الاعلامية سعت الى ابراز المقام كأنه فنها او اداتها الفنية التي تعبر عنها مقابل ما كان يقدم من نماذج غنائية سائدة في ذلك الوقت. ان جدارا من العزلة قد فرض مابين فن جميل وبين متلقى تواق للتمتع بنغم موسيقي شفاف وحنجرة طرية وطربية ، وان تواصل نشاطات فرقة مقامات ومساهماتها في الفاعليات العراقية المختلفة في بلدان العالم بامكانه ، وكما تحقق في في مساء يوم الجمعة الماضية 22 آب الجاري، من اختراق جدران العزلة ، فالموسيقى لغة لايستطيع احد نكرانها وليس ثمة لغة اخرى قادرة على ان تكون بمستواها.
بلا شك فان الاغاني والمقطوعات الموسيقية التي قدمتها فرقة مقامات كانت تتويجا جميلا لمهرجان أيام الثقافة العراقية في كوبنهاكن وانها كانت مسك ختام المهرجان .. دون ان نبخس حق الفنان فنار غالي ومحاولته الجميلة والمبدعة في تقديم الاغاني العراقية والعربية باسلوب وتوزيع معاصر خلال الامسية الاولى من المهرجان الذي اعطته الموسيقى روحا حية ومختلفة عن الفعاليات والانشطة الاخرى
|