المقاله تحت باب مقالات فنيه في
27/08/2008 06:00 AM GMT
نشر الكاتب والشاعر صادق الصائغ قبل فترة وجيزة متابعة نقدية مهمة عن الفنان والمفكر العراقي الرائد محمود صبري، المقيم في براغ، وخاصة عن نظريته المعروفة "واقعية الكم"... أضافة لرؤى أخرى حول الثقافة العراقية من زاوية الاهتمام بالرواد الكبار، والاحتفاء بهم، مركزاً في هذا السياق على ثمانينية صبري والتي مرت قبل شهور قليلة... وجاء في المتابعة:
"الكتابة محنة منذ ان تعلمها آدم، والمفكرون، ملعونون منذ ان قالوا: لا ،وثقافتنا الحالية لا تشذ عن هذه القاعدة، انها، للأسف، ولسبب وآخر،ضائعة داخل حشود من كلام يومي يوفره وسط لا يهتم بشئ غيرمصالحه، ويعتبر الثقافة مجرد وظيفة ادارية توفر له ولعائلته اسباب العيش، وهؤلاء واؤلئك يصنعون لنا، احياناً بقصد او غير قصد، ثقافة تجعل حياتنا موحشة وفارغة وعقيمة... اقول هذا واتذكر كتاب "واقعية الكم" لمحمود صبري واربطه هذا وذاك بما قاله الكاتب الروائي الشهير ميلان كوندرا : " ان كتاباً ابداعياً واحداً، قد، يعادل آلاف الكتب التي تزخر بها المكتبات واسواق الكتب ويجعل حياتنا صادقة وتستحق العيش "... ولعلي لن ابالغ اذا قلت ان كتاب محمود صبري المغيب والضائع بين زحمة الكتب ، يشكل بالنسبة لى على الأقل، واحدا من هذه الكتب".
وتابع الصائغ "لست اعزو ضياع كثير من انجازاتنا الفكرية والفنية الى انظمة استبدادية، فليس من المتوقع من هذه الانظمة ان تحب الثقافة ، ولن اعزوه الى اعلام سيئ هو، في كل الاحوال، جزء من ماض عقيم ، بل وايضاً، الى مناهج وآليات يسعى بعضنا اليوم، بإخلاص، الى تثيتها، على امل ان نعوض بها عن الخسائر المادية والمعنوية التي لحقت بمثقفينا وبحياتنا الثقافية عبر عهود متتالية، لكننا لا نحصل، في النتيجة، الا على القليل القليل... الجيل السابق يعرف ان محمود واحد من قاماتنا الفكرية والفنية الكبيرة،ويعرف انه واحد من امثلة قليلة كان انصرافها عن شهرة متوفرة يمثل شجاعة ونبلاً وتضحية لا يمتلكها الا من يلزم نفسه، بإنكار ذات وبلا مقابل، بمسؤولية البحث الصبورعن الحقيقة. ان قوة محمود تنهض بكتابه " واقعية الكم" وبتطبيقاتها البلا ستيكية، وفي هذا نجد تفسيراً لما يجعل جيله يتذكره باحترام مشهود، وما يجعل نظريته في عقول المختصين، متأججة باستمرار... أما الجيل الحالي، فماذا يعرف عن محمود صبري ؟ للأسف، السياسة والثقافة تتواطئان هنا لطرد المثقف خارج الزمن، بعض الكتابات تقول ان محمود غائب وتقيس الحضور بالشخص وليس بنصه، لتتهرب من تقييم طروحاته الشائكة، وتعفي نفسها من تحمل مسؤولية النقاش، وهي بهذا، تصور المنفيين وكأنهم من المفقودين".
إلى ذلك قال الصائغ في متابعته "ان احتفائية محمود بمناسبة بلوغه الثمانين مرت للأسف دون ان يعرف بها الا قلة، ودون ان يكتب سطر واحد عن "نظرية واقعية الكم" التي كرس لها كل حياته والتي وصفها احد النقاد التشيك بأنها نهضة، ينبغي دراستها بدقة. ولولا احتفائية وزارة الثقافة ـ وهي متواضعة جداً، لكنها على اية حال مشكورة ـ لما عرفنا شيئاً عن اي شئ... هذا يثبت اننا ما زلنا نسكب أفضل معارفنا على الارض دون ان يتلبسنا شئ من ندم او خسران. احتفالاتنا بمن نحسبهم رموزنا المعجمية تتميز بحنين مجاني لشئ مفقود لا نعرفه، انها مناسبة تؤهلنا لوضع خسائرنا في مكان سائب، وبعدها ننصرف الى شؤوننا العملية الخاصة".
وجاء في ختام ما كتبه الصائغ "ان جمعية الفنانين العراقيين تنوي ان تحتفل هي الاخرى بثمانينية محمود، فكيف ياترى؟ هل ستطغي رغبة استحضاره كشئ عائم في زمن مفقود؟ ان نصه يثبت انه واحد من اكبر صناع الثقافة وانجازاته الفنية والفكرية لا تقدرالا بثمن قراءتها قراءة حقيقية تزيد من امكانية التفكير وتوسع معنى النص بالاضافة... في رأيي اننا لن ننصف ثقافتنا ولا انفسنا الا بأن نتوصل الى وعي حقيقي لما نملكه ،وإلا فلا فائدة من جعل الاحتفائيات مجرد مناسبة عابرة تسجل كأنجاز ثم تنتهي باعلان الختام... نحتاج، عند جرد حساباتنا الثقافية، ان نقرأ منجزالمحتفى به، ان نحضرلدراسات جادة تطبع في كتاب، لمعارض تقام، لمناقشات ضافية في وسائل الاعلام، لشخصيات ذات اوزان ثقيلة تحكي عن فنه وتؤرخ لحياة من نعتبرهم قيماً كبيرة، ليس للعراق وحده، بل وللأنسانية بشكل عام. لنقل ان هذا بعض ما نتمناه ــ نتمناه ام نطالب به ؟ ــ ليس لمحمود فحسب، بل لثقافتنا ككل، وأيضاً لكل صانع ثقافة اعطى وطنه كل ما يملك ولم يطالب بشئ".
|