المقاله تحت باب محور النقد في
08/06/2008 06:00 AM GMT
تؤكد الأرقام والإحصاءت التي قامت بها جمعية الفنانين التشكيليين العراقيين أن نحو خمسة وسبعين في المئة من الفنانين العراقيين (رسامين ونحاتين وخزافين) يعيشون اليوم خارج العراق بسبب الظروف الأمنية وتعرض بعضهم للتهديد (من جهات شبه مجهولة الهوية) بمغادرة البلد أو التعرض للتصفية الجسدية. ويشير مسؤول في الجمعية الى أن هذه النسبة تضمّ فنانين كباراً من الأسماء المعروفة في الرسم والنحت، الى جانب فنانين من الجيل الوسط، وأعداد غير قليلة من الفنانين الشباب. ويؤكد المسؤول الفني أن عملية تهجير الفنانين العراقيين جرت وتجري بتدبير واضح تتعاون فيه أكثر من جهة لإفراغ العراق من الطاقات الفنية والثقافية المبدعة والمؤهلة لصنع واقع ثقافي وفني متميز، وقد صنعت ذلك على امتداد ما لها من تاريخ، فكرست حالاً من الإبداع الحقيقي في مدى عقود طويلة، كانت فيها وجه العراق الحضاري الجديد. ويستدل المسؤول الفني على هذا «الأمر المدبّر» مما يتم من عمليات تأمين لهجرة الكبار والمؤثرين من هؤلاء الفنانين الى دول عدة، منها الولايات المتحدة الأميركية، والهدف، كما يقول هذا المسؤول (وهو فنان تشكيلي) هو إبعادهم عن مجالاتهم الحقيقية، متأثرين ومؤثرين، بحيث لا يعود للأجيال الجديدة من الفنانين أساتذة يتواصلون مع ما يتم تكريسه بفعلهم، ومن خلالهم، من توجهات فنية وثقافية صحيحة في حياة تمتد بتقاليدها الحديثة اكثر من نصف قرن. ويرى الفنان قاسم سبتي - مدير قاعة حوار للفنون - أن إغلاق معظم قاعات العروض الفنية في العاصمة بغداد يدل على حال ضعف واضح للفنون التشكيلية في الحياة الفنية والثقافية، في وقت يجد خزافون مثل: ماهر السامرائي، ومحمد عريبي - وهما من أساتذة فن الخزف في أكاديمية الفنون الجميلة، ان عملهم يواجه صعوبات كبيرة. فالواقع الذي يعيشه البلد يغلق أبواب مشاغلهم في وجه أعمالهم التي تعتمد أساساً على الطاقة الكهربائبة ولساعات متواصلة، في وقت لا تتوافر لهم هذه «الطاقة» أكثر من ساعتين في اليوم، الأمر الذي أسلم عملهم للشلل التام. والقليل الذي تمكنوا من إنجازه، في مستوى تواصلهم مع عملهم، تمّ خارج العراق، في أثناء انتدابهم للتدريس في بعض العواصم العربية، ومنها الخليجية. وأمام ذلك يجدون أن من شأن مثل هذا العامل العائق ان ينعكس سلباً عليهم كفنانين، وعلى طلابهم الذين لا تتوفر لهم مستلزمات التدريب الكافي على مثل هذا العمل، وعلى مستوى هذا الفن الذي هو الأكبر والأكثر تطوراً بين عمل نظرائهم من الخزافين في بلدان أخرى. إلاّ أن الأمر، مع ذلك، لم يجفف منابع العمل الفني كاملة. فغياب الفنانين الكبار ممن لهم رصيد كبير في واقع الحركة الفنية في العراق كان له أن فتح أبواب بعض قاعات العرض أمام الفنانين الشباب الذين قدم البعض منهم أعمالاً تدعو الى التفاؤل، وترسم خطاً بيانياً من التواصل الفني بينهم، كتجارب شابة، وبين المؤسسين لهذا الاتجاه أو ذاك في الفن العراقي المعاصر. في «قاعة مدارات للفنون» أقيم معرض مشترك للفنانين جواد الزيدي وحسين جرمط تحت عنوان «الرسم جوار الحروفية» جاء التنويع على الأفكار الأساسية فيه واضحاً من خلال إبراز الطاقات التشكيلية للحرف العربي (الذي كان للفنان الرائد جميل حمودي الدور المؤسس فيه). والفنانان، وإن تقاربا في الرؤية الفنية إلا ان كلاً منهما حاول أن ينهج نهجه الأسلوبي بعيداً عن الآخر، فجاء «تشكيل» أعمالهما، في ما اتخذت من بناء فني، متكاملاً، لا متشابهاً أو متماثلاً. ففي حين اتخذ الزيدي من «الحروفية» ما يجعل التداخل والاتصال بينها أساساً لتكوين فني متكامل العناصر (الخط، الشكل، اللون) جعل جرمط من الحرف خطاً داخل كتلة لونية، بما يجعله عماد «التشكيل» في لوحته، معطياً نفسه الحرية في اختيار موضع الحرف، وطبيعة تكوينه، فيكون هذا الحرف بذاته عنصر التشكيل البارز في اللوحة. وهما، معاً، اعتمدا المهارة الفنية في تشكيل البعد الجمالي للحرف، كل على طريقته، وبحسب رؤيته. وقبل هذا المعرض بيومين افتتح في «قاعة أكد للفنون» معرض للفنان احمد نصيف بعنوان «كونكريت» (concrete)، وجعل حرفT في الكلمة مقلوباً ليشير، وبطريقة تشكيلية، الى الحواجز الكونكريتية التي أصبحت المعْلم الكلي لمدينة بغداد بما يفصل بعضها عن بعض من «حواجز خرسانية» تشكل جدراناً عازلة بين أحيائها، وفي الحي الواحد، وبين الناس والشوارع، ما حوّل المدينة سجناً كبيراً، فضلاً عن حجبها جميع ما كان للمدينة من فضاءات. أعقب هذين المعرضين معرض للفنان الشاب باقر الشيخ (قاعة حوار) بعنوان «ذاكرة الجسد»، وهو من المعارض المتميزة في هذا الموسم الفني الذي تأخر كثيراً هذه السنة، فجاء زخم المعارض مع نهايته. وهو معرض مهم سواء في موضوعه، حيث اعتمد التنويع في المعالجة الفنية او في استخدام اللون من خلال التنويع تشكيلياً على «جسد الأنثى»، مظهراً براعة واضحة.
|