المقاله تحت باب معارض تشكيلية في
07/04/2008 06:00 AM GMT
يعمل الفنان محمد قريش في معرضه الجديد الذي يقام في غاليري «دي غاليري» أحد اكبر أماكن العرض في العاصمة لاهاي على تعرية المكان في الطبيعة واستخراج القيمة الجمالية التي تنتج عن هذه التعرية مضيفاً إليها رؤيته الخاصة من خلال تعامله مع الخامات الموجودة أصلاً في الطبيعة. وكذلك من خلال انشغالاته التقنية على الخامة واللون وسطح اللوحة لينتج عملاً باهراً في تقنيته وتكنيكه. التقنية غير التقليدية في هذا المعرض ليست هي كل شيء، لكنّ معالجة الألوان والجرأة الغريبة في استخدامها وطبيعة النتائج الرائعة الحاصلة من جراء ذلك هي جزء آخر مكمل لهذه الأعمال الجميلة لهذا الفنان المقل نسبياً. التقنية هذه تفرض على الفنان أن يعود الى عمله باستمرار بما يجعل العمل ذا طبيعة حركية قابلة للإضافة والحذف دائماً وهذا مصدر قلة المعارض التي يقيمها. نظرة سريعة الى أعمال محمد قريش تؤكد انشغاله بالبحث عن البديل للتقنية التقليدية والمكتسبة من خلال استخدامه الخامة والمادة واللون بأخرى تلقائية قريبة من روح الطبيعة (الطبيعة بالمطلق). وبطريقة تنفيذ متحررة من العوالق الأكاديمية الكلاسيكية التقليدية التي تخرج منها الفن العراقي (المعاصر) بقوالب جاهزة وثابتة أدت الى تضييق مساحة وافق مسار الحركة التشكيلية العراقية. وهي معنية أيضاً بالحركة التشكيلية في الشرق الأوسط لتطابق المنهجية الأكاديمية والإيديولوجية في فهم العمل الفني. التقنية ببعديها المادي والروحي في أعمال قريش تغني العمل الفني حين يخرجه من قوالبه الجاهزة، ويفتحه عن خط مسار الحركة التشكيلية العالمية من دون الاحتفاظ بتلك القوالب الجاهزة التي أصبحت في حركة التشكيل العالمية (اولد فاشن) ولا تمت للمعاصرة بصلة. ان تكون معاصراً يعني انك مستمر وموجود وهذا ما يفسر تلك الحركية في أعماله التي تبدو كأنها أنجزت للتو او أنها قابلة للإضافة والحذف من دون ان يتغير المقصد الأساسي للعمل الفني. التقنية المادية تستعرض العمل كهيئة شكلية والتقنية الروحية تحتوي العمل كلياً بدءاً بالسطح وعمقاً من خلال تراكم طبقات الخامات باختلافها كلاً بحسب زمانه ومكانه واستخدامها وتأثيرها وتأثرها مع مناخ العمل. يتعامل الفنان محمد قريش مع المادة التي بين يديه بطريقة تشبه اللعب التي تقترب من اللاوعي أحيانا لأنها تمنحه فرصة للتلاعب بها وتطويرها وتغييرها باسترخاء وجرأة كبيرة أيضاً. فهو يحاول الابتعاد عن الصبغات الجاهزة التي تفرض على سطح اللوحة، لأنها سحنات استعراضية مفتعلة لا تغور في عمق السطح. فهو يستخرج اللون من روح الحدث (الثيمة) من خلال هذه الخامات ومن خلال تعامله الحذر مع المادة لمراحل تقنية سريعة الإيقاع وتطويعها وترويضها بمختلف الطرق المتاحة لإنجاز عمله. انه يخضع العمل الى التعتيق والحرق والأكسدة والحفر والطبع واللصق والضغط والحك أيضاً، ضمن مراحل تقنية زمنية محددة تقدم نتائج لونية غير متوقعة في تلقائيتها. لهذا يستخدم الفنان مادة الخشب والحديد والرمل التي تستجيب لكل هذه الظروف. في هذا المعرض الذي ضم أعمالاً مختلفة الأحجام والأشكال ينقلب الزمان والمكان وتتعرى فيه البيئة بطريقة مغايرة كما يراها الفنان مقارناً بين البيئتين القديمة والجديدة، البيئة القديمة ممثلة بالتراب والرمل والألوان الحارة والآثار القديمة والبيئة الجديدة بألوانها النظيفة الباردة. يكتشف الفنان في هذه البيئة المغايرة ان عمله ينفتح ويتقبل تدريجياً التقنيات والخامات الجديدة. انه يجرؤ على التدخل في العمل بحدود إمكانياته في إضافة جينات وأشكال جديدة في ما يتعلق بالخامات والتقنيات (يذكرنا هذا بالفنان الإسباني تابيس). هذا الانفتاح على التجربة الغربية يدفع الفنان قريش الى تطوير أدواته ومناخه الفني بجرأة عالية وهي رأسمال اكتشافه واستخدامه للخامات التي انعكست على أعماله وتقنياته التي يخضعها للتصفية او الغربلة، مستدعياً في كل مرة بيئته القديمة بتلقائيتها وطبيعة ألوانها وقدمها. انه كمن يستنشق عبير التراب والجدران المبللة بعد زخة مطر في بيئة مختلفة تمام الاختلاف. موضوعة التعرية وهي أكثر ما يؤرق الفنان قريش وما تحدثه من تغيرات على سطوح جميع الأشياء الجامدة منها والحية تشكل محوراً مهماً في مجمل تجربته الفنية لأنها تطرح ليس كمادة علمية فقط، بل جيولوجية وطوبوغرافية وكونية وإنسانية وأدبية وفنية أيضاً. أقام الفنان محمد قريش، الذي درس الرسم في أكاديمية الفنون الجميلة في بغداد، سبعة عشر معرضاً في أوروبا وأميركا واليابان والعالم العربي. واقتنى أعماله متحف لوزان في سويسرا ومتحف ارماندو في هولندا ومتحف الفن العراقي المعاصر في بغداد وملكة هولندا ومحكمة العدل الدولية، وكان فاز بعدد من الجوائز في العراق وهولندا.
|