المقاله تحت باب سينما و مسرح في
29/03/2008 06:00 AM GMT
من منا لا يتذكر شخصية ( عبد القادر بيك ) بكل خصائصها وأبعادها تلك الشخصية التي رسخت في الذاكرة العراقية لفترة طويلة بفضل طلتها المتكررة من ضيف دائم يتواجد بإستمرار في معظم البيوت وأماكن التجمعات الجماهيرية ألا وهو التلفاز ، ولعل قائل يقول لماذا عمد كاتب هذه السطور وهو يحاول التحدث عن فنان رائد كبيربحجم خليل شوقي أن يستهل حديثه عن إحدى الشخصيات التي جسدها الفنان المذكور خلال رحلته الفنية الطويلة التي بدأت منذ منتصف الأربعينيات حتى وقتنا الحاضر حيث لا زالت الأنباء توافينا من المهجر الهولندي وهي تطلعنا عن الأنشطة الفنية لفناننا الكبير شوقي حيث يعلم الجميع أنه يقيم هناك ، وأحدث ما قدمه هو عرض مسرحي تجريبي بعنوان
عرب الذي ناظره في تجسيد الشخصية المحورية الثانية أحد الفنانيين الهولنديين وقد طرح العمل كرة تركزت على تجسيد حالة من مراجعات الذاكرة لفنانيين كبيرين يتمتع كل منهما بثقافة وتجربة خاصة تنطوي على الكثير من عناصر الاختلاف المتمثل في أسلوب الطرح والتفكير ، الأمر الذي ينبأنا أن فنان العراق الكبير خليل شوقي لازال يقدم عطاءه الفني محاكيا ً الموضوعات الإنسانية برؤى مختلفة ، وإذا ما توقفنا عند تجربة هذا الفنان المبدع فيمكن الإشارة إلا أن لا يستطيع أي باحث أو مؤرشف وهو يتنقل بين عتبات المراحل الزمنية لتاريخ الفن العراقي أن يقفز على حقيقة ما وضعه الرواد من لبنات جوهرية لتشييد مشروعهم الفني المحلي معتمدين على موهبتهم بالمقام الأول وعلى ما إكتسبوه من خبرات مهنية وثقافة معرفية سواء من خلال التجارب الذاتية أو عبر أسفارهم المتكررة ، منطلقين من إيمانهم بأهمية الرسالة الفنية في بناء الذاكرة الجمعية ومستوى الوعي الثقافي والجمالي للمجتمع فضلا ً الحاجات الأساسية التي يعاني منها المجتمع ، وما يحسب لهذا الجيل أنه حاول ترسيخ ثقافة عراقية فنية خالصة أسهمت في ترسيخ الظاهرة الفنية ، ومن أولئك الذين ساهموا في وضع اللبنات الأساسية لصرح المنظومة الفنية العراقية هو الفنان العراقي الكبير خليل شوقي الذي تميز عن مجايليه في تنوع وشمولية الموهبة وثقل الحضور وتجدد الإبداع حيث تنوع نشاطه الفني بين التمثيل على خشبة المسرح وأمام عدسات الكاميرا السينمائية بالإضافة إلى موهبته كمخرج سينمائي وكاتب للسيناريو وخير مثال على ذلك هو فيلم ( الحارس ) الذي جسد من خلاله واقعا ً يوميا ً معاشا ً ينطوي على الكثير من المواقف المختلفة والتناقضات الاجتماعية التي تمظهرت على شكل صراع قيمي تجسد من خلال سلوك الشخصيات ، بيد أن الفنان المذكور لم يواظب على البقاء بوصفه مخرجا ً بل ظل يتنقل بين فضاءات المسرح والسينما والتلفزيون وفي أغلب الحالات كان يظهر كممثل متميز يحمل مجمل الصفات التي تجعل منه رمزا ً محليا ً وتكاد تكون شخصية ( عبد القادر بيك ) في الذئب والنسر وعيون المدينة ، شاهدا ً حيا ً على رسوخ حضور ذلك الفنان فبعد عقود من الزمن وابتعاد الفنان عن أرض وطنه العراق وعدم إستمراره في تقديم الدراما المحلية إلا ان المواطن العراقي حين يوجه له السؤال عن ذلك العمل الدرامي التلفزيوني فإنه يتحدث بشيء من الإسهاب عن تلك الشخصية المحورية في العمل المذكور الذي حقق حضورا ً كبيرا ً متميزا ً نظرا ً لتوفر أسباب النجاح وكان من أبرزها وجود ذلك الفنان الكبير في أسرة العمل المذكور في جزئيه الأول والثاني ، ومن خلال مسيرة طويلة أغنت سجل الفن العراقي بمختلف التجارب الفنية يمكن القول أن فناننا شوقي يحمل نفسا ً واقعيا ً ولاسيما على صعيد السينما فهو كان يحاول دائما ً نقل ملامح من المجتمع الذي يعيش معالجا ً أهم ما يعتري شخوصه من قلق وطموحات مؤجلة وأحلام مجهضة بفعل قسوة الواقع ، وفيما يتعلق بتجربته التمثيلية فقد ظل الفنان طوال تلك العقود التي خلت يعبر بمصداقية فنية عن هواجس كل جيل وإرهاصاته فضلا ً عن التخرصات التي مرت بها هذه الأجيال عبر قضايا مختلفة مثل قضية ( الإقطاع ) وقضايا الوضع السياسي التي إنعكست على حركة المجتمع وحياته اليومية ، لقد تمكن خليل شوقي وغيره من الفنانين العراقيين الذين أرسوا دعائم الحركة الفنية في العراق وعبر خطاب فني إنساني خالص من التعبيرعن وجدان الفرد العراقي وبناء مشروع يتناسب مع متغيرات الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي مر بها العراق واليوم وبعد خمس سنوات من عمر تغيير النظام السياسي لابد من جمع شتات أولئك الفنانيين الكبار بإتجاه تقديم مشروع فني قادر على محاكاة المرحلة وطرح الرؤى الكفيلة بإصلاح ما تهدم من القيم التي حاولت بعض أطراف المشهد السياسي في العراقي فرضها على الناس ، فالمرحلة الآن تتطلب الإصلاح ثم الإصلاح ثم الإصلاح السياسي والثقافي والاجتماعي ولا يوجد أنسب من الفنان ليمارس دوره الإيجابي البعيد عن الأدلجة لصالح إتجاه أو حركة أو جماعة أو حزب لأن الرسالة الفنية يجب أن تحتفظ بقداستها ، ولعل أبناء ذلك الجيل من الفنانيين الرواد خبر الكثير عن المخاضات السياسية نتيجة معاصرتهم لمراحل مختلفة من تاريخ العرق فلماذا لا يوجه جهدهم لإنتشال ما تبقى من عرى المجتمع العراقي ، فلا يمكن أن تبقى الساحة للسياسي ليصول ويجول فيها دون أن يترك مجالا ً للفنان ليقول كلمته في هذه اللحظة الزمنية التي نعيشها من تاريخنا .
|