المقاله تحت باب في الموسيقى والغناء في
01/03/2008 06:00 AM GMT
يعد المؤلف وعازف العود أحمد مختار من أبـــرع تلامــــذة الموسيقار العراقي الراحل منير بشيــــر، أحد أعظــــــم مؤلفي موسيقى العــود العربية. ويمتاز عمله بالإضافات الكثيرة في بناء الجملــــة الموسيقية واستخدام المقامات ومزجها. كما يتميز الارتجال عنده بالعفوية المدفوعة بقوة الإلهام وسِعة التجربة. أما طريقته في العزف والتقنية التي يعتمدها، فلا تنساقان وراء الإبهار بقدر ما تنحازان إلى القيمة الجمالية التي لا يفرط بها مختار أبداً. أنجز مختار أخيراً بعض المؤلفات لآلة العود والبيانو(دويتو) وأخرى للعود والقانون والساكسفون والكونترباص(جاز)، وثالثــة لعودين (دويتو) علــــى طريقة التأليف البوليفوني أي ان كل آلة تأخــــذ لحناً مغايراً بمسار متآلف ومتناغم كوحــــدة صوتية. كما أنجز قطعة موسيقية لمجموعة من آلات الاوركسترا مدتها عشر دقائق أسمها «الطوفان». المؤلَّف الموسيقي الواسع الأفق لا تقف حدود مخيلته التأليفية عند آلة موسيقية محدّدة. والعود لا يعطي جميع الألوان الصوتية، فهو آلة وترية نقرية. وهناك الكثير من الآلات الأخرى مثل الكمان والترومبيت، والكلارنيت، تعبّر في موسيقى مختار عن ألوان صوتية مختلفة يوظّفها لتصوير المخيلة الموسيقية. ويُعطي من خلالها أفقا أكبر وصورة تعبيرية أعمق لا يمكن تصويرها بآلة موسيقية واحدة. لذلك جاء عمل مختار الأخير «الطوفان» معتمداً كلياً على الآلات الغربية. لكن لماذا الاقتراب الى الغربي بدلاً من الشرقي؟ لأن القالب معاصر حرّ. أما الهارموني والتوزيع فهو أوركسترالي، ذلك يعني أن الجملة الموسيقية التي من طبقة السوبرانو (الحاد) تعزفها الفلوت، وجملة الباص (الغليظ) تعزفها الجلو أو الكونترباص، والجملة المتدفقة تعزفها الآلات النحاسية، والجملة المتواصلة (ليكاتو) تعزفها الوتريات وهكذا... هذا التنوع يصعب تصوّره في العمل الشرقي ذات اللحن الواحد والمدى الصوتي الواحد، وهو ما نكتشفه في «طوفان» الذي يدعو الى طريقة وأسلوب خاصين. ربما يكون هذا العمل منهجاً جديداً في تجربة مختار تضاف الى التجارب الجادة في الموسيقى العربية والعالم الموسيقي الغربي، حيث سبقنا العالم بتطبيق كل ما هو عملي وجاد في الموسيقى، بينما يتصدر فنانون المشهد الموسيقي العربي منشغلين بالمبالغات فقط . لم يكن مختار الأول في مزج العود مع الآلات الغربية، فقد أنجزها الأذربيجانيون والأتراك وبعض العرب خصوصاً في الخمسينات والستينات. لكن ما يميّز تجربته، أولا أنها تعبر عن روح العصر الذي نعيشه، وثانياً انه لم يذهب الى الموسيقى الغربية بل سحب ما هو مشترك بين الموسيقى الغربية والعربية، لينسجم مع آلة العود. أي ان العمل الموسيقي الذي وضعه لم يجبر آلة العود على تغيير صوتها وطريقة عزفها تماشياً والموسيقى الغربية. ويظهر ذلك جلياً في قطعة «جاز عراقي» حيث عزفت آلة الساكسفون الغربية مقاماً عراقياً من ربع صوت. كتب مختار لآلة العود أكثر من 15 قطعة موسيقية، كما كتب للعود بمرافقة آلات شرقية أكثر من سبع قطع موسيقية، فوضع العود في مؤلَّف عالمي مستساغ ومستمع له من قبل ثقافات أخرى، ما سيدخل العود إلى عالم الموسيقى في الثقافات الأخرى . لم يكتفِ الفنان الأسمر بذلك، فهو يحضّر حالياً كونشرتو عود مع المؤلف الايطالي فرنشسكو اينوزلي. كتب مختار الحركة الأولى والثالثة واينوزلي سيكتب الثانية، أما التوزيع فسيكون مشتركاً بين الاثنين. فرنشسكو اينوزلي درس آلة العود على يد مختـــار لمدة أربع سنوات، وهو عازف جيتار كلاسيك ومــؤلف موسيقـي خريج الكونسرفاتوار الوطني في ميلانو، ومتخصّص بالتأليف وعازف بيانو ممتاز. ومختار فنان نشيط يقسّم وقته بين العزف والتأليف وإحياء الأمسيات خصوصاً في الغرب. ومن أجل السلام في العراق والمنطقة العربية والعالم، وقّع مختار عقداً لتقديم أكثر من 20 أمسية موسيقية خلال عام 2008. وستتوزع العروض بين فرنسا واسبانيا، ترافقه في بعض الأمسيات فرقة أسسها من عازفين عراقيين أسمها «Baghdad Ensemble». وعَمد مختار الى استضافة موسيقي «صوليست» لآلة لا تتضمنها الفرقة، في أمسية أو اثنتين من هذه الأمسيات. كما تستضيف إيطاليا الفرقة خلال الشهر المقبل، حيث ستعرض عملاً شعرياً درامياً بعنوان «بغداد سماء مفتوحة» سيدور على أكثر من مدينة أوروبية ناطقة بالفرنسية، لأن العمل مكتوب بهذه اللغة. وستمثّل موسيقى مختار عنصراً أساسياً في العرض، وفي حزيران (يونيو) ستختتم الفرقة جولاتها في نيويورك.
|