فيلم «حليم»... نجاح في التقليد وفشل في المعالجة

المقاله تحت باب  في الموسيقى والغناء
في 
20/02/2008 06:00 AM
GMT



ما الذي يجبرك على الإعجاب بفيلم سينمائي وأنتَ، في العمق، لم تعجَب به ولم يترك أثراً طيباً في نفسك؟ هذا السؤال يستحقّ الطرح بعد مشاهدة فيلم «حليم» بطولة الراحل أحمد زكي وإخراج شريف عرفة. بعد كلّ التغطية الإعلامية والتعويم الدعائي الذي حظي به هذا الفيلم، خصوصاً إثر وفاة بطله الممثل الكبير أحمد زكي أثناء الوقت الذي يُصَوَّر فيه العمل، تأتي وتشاهد فيلماً أقلّ ما تقول فيه إنه لا يتناسب مع شخصية عبد الحليم حافظ الذي حاول زكي الأب وزكي الابن تقليده ونسخ شخصيته عبر تحريك اليدين والصوت المتهدج الخافت وتمييل الرأس. كأنك أتيت لتشاهد المقلِّد لا المقلَّد. لماذا هذا الإصرار على تقليد حليم في الوقت الذي يفَضَّل فيه سبك قصة قوية تنتِج دلالاتٍ معينة، جاذبة وجديدة.
ثم شخصية الموسيقار الراحل محمد عبد الوهاب، أدّاها الفنان عزت أبو عوف، حيث كان جهده في كل لقطة أن يقول لنا: أنا أشبه محمد عبد الوهاب. في الوقت الذي كان من الأفضل فيه أن يتم استلهام الشخصية ليس في ملامحها الفيزيائية، فحسب، بل محتواها الذاتي والمتحرك. أن يكون عبد الوهاب شخصية بمدلولات، من الداخل، وكذلك حليم، وليس من الخارج فقط. أزمة نسخ الشخصية من الخارج طغى على استلهامها ووظيفتها الدلالية، فرأينا أناساً يقلدون أناساً كما لو أننا في حفلة تمثيل غير تنكرية، أو أن على كل ممثل في الفيلم أن يأخذ «عشرة على عشرة» في تقليد ممثلين راحلين أو باقين. لا أكثر.
عندما يتابع المشاهد فيلماً عن شخصية هامة ومشهورة لاينتظر فقط شبيهاً بها يبرع في نسخ حركاتها وإيماءاتها، بل في روحها وطريقة تفكيرها. في فيلم «آخر ملوك إسكوتلندا» الذي أخرجه كيفن ماكدونالد، والنص لبيتر مورجان وجيرمي بروك، وجسد فيه الممثل «فوريست ويتيكر» شخصية الرئيس عيدي أمين، فقد أفاد المخرج من تشابه الممثل مع الرئيس، لكن تابعوا الفيلم لتروا كيف نقل الممثل الشخصية من الداخل، بالروح، وبالمحتوى النفسي الملائم، وكذلك القصة. وعنده لايكون نسخاً وتقليدا، بل إعادة كشف للشخصية الأصلية. اعتماد إدارة الفيلم على شهرة عبدالحليم حافظ وشهرة الشخصية الناقلة لشخصيته، أحمد زكي، لم يكن رهاناً في محلّه. إذ رأينا أناساً يشبهون أناساً يقلدون حركاتهم وينطقون جملهم التي قالوها في حوارات الصحف والتلفزيونات، لكننا لم نشاهد روح العمل، لم نصدق أن هذا هو ذاك، وأن هذه هي تلك، وأن هؤلاء هم أولئك. أين الروح وأين التزامن؟ ولماذا وقعت القصة في فخ التوثيق والنقل التسجيلي للحكاية؟
اعتمد مؤلف العمل، محفوظ عبد الرحمن، على تكنيك يُداخِل فيه الزمن الحاضر بالزمن الماضي من خلال حوار يتم إجراؤه مع حليم وثم عبر «الفلاش باك» تتقاطع اللحظة الحاضرة مع اللحظة الحالية. وحاول المؤلف أن يقدّم شخصية حليم بصفتها مزيجاً تتراكم فيه التحولات السياسية والمشاكل الشخصية (المرض)، والعلاقات التي نسجها الراحل وأثرها فيه. ودائما تتراوح الأحداث بين ماضٍ تم اختياره بعناية خاصة، وحاضرٍ يتحدث فيه المطرب الشهير عن قضية معينة. ثم في النهاية بهتَ الفيلم لأنه كان خاليا من لحظات تتطوّر ذروةً تفترض معالجة وموقفا درامياً من الشخصية. هكذا في رصد أفقي للحدث كان الفيلم تجميعاً للحظات المطرب الراحل، وليس قراءة لشخصيته أو فهماً جديداً وخاصاً لها. إلى درجة أن المشاهدين علَّقوا أكثر من مرة بالعبارة التالية: «تستطيع أن تشاهد الفيلم من أي نقطة تريدها». ذلك أن القصة لم تحمل ترابطاً سببياً أو علاقة محددة تؤدي لإبراز الفعل ورد الفعل. باختصار كان العمل خاليا من أي عمق درامي. بسبب الإفراط في النقل التوثيقي والتسجيلي كما لو أنه ريبورتاج عن شخصية وليس فيلماً.
مشكلة العمل في الأساس هي المعالجة الدرامية، أو معنى إعادة شخصية في فيلم. إلا أن الإخراج الذي برع في استخدام الكاميرا لإعطاء انطباع بحرارة اللحظة وواقعيتها كما لو أن عين المشاهِد هي التي ترى وليس الكاميرا، نقول إن إخراج العمل هو الذي حملَه ومنحه إمكانية جذب معينة بسبب تكنيك التصوير الواقعي الذي قُصِد منه وضع المشاهِد مكانَ الكاميرا. هذه البراعة كانت الوجه الأجمل للعمل. أما المعالجة وقراءة الشخصية فذلك توضّح من خلال هذا العَرض الرخو للحدث وللشخصية، كما لو أن النص بُنِي على لحظة واحدة في حياة عبدالحليم حافظ وهي لحظته الأخيرة على سرير المرض.