المقاله تحت باب مقالات فنيه في
27/11/2007 06:00 AM GMT
يتكلم الطين بلسان تاريخي ومعاصر في آن ، إنه لسان فصيح ، ولكن بلغات تتجاوز جغرافـيا البلدان وتستخلص منابع حضارات الأمم ومدارجها. ولم يركن الخزف إلى صمت الجدران ، وإن هي حركت سواكنها المكانية فـيه، واشغلت أحيازا ً تنطق وتشاغب، فلا ساكن في الكون حتى الحجر! رياض المعتوق ، وفاء لجذوره التاريخ حضارية - الفنية، جال خلل خزف (خفاجة) و(تل الصوان) في عتق أيام بلاد الرافدين ، و تشرب متواصلا ً مع ما تعلمه من " الأسطوات" في (طوز خرماتو)، و(بغداد)،على المهاد ذاتها التي وسعت أمديتها بفعل مخيلة أساتذة الخزف في معهد الفنون الجميلة وكلية الفنون في العراق:
فالنتينوس القبرصي اليوناني الذي تعرق وصار ينقي ضفاف دجلة مستخلصا ً الطين الحري ، إلى سعد شاكر وطارق إبراهيم وشنيار عبد الله والرفـقة الذين أزاحوا عن الخزف مفهومه الإستعمالي كآنية وصحون ومزهريات وقـلـل، إلى حيثيات النحت والرسم والخط والنصب والجداريات .
ولكن بوفاء نبيل لتلك الحداثة المتقد مة على عـصرها التي قدمها رواد الفن منذ بدء الأنوارفي سومر وبابل وآشور قبل ميلاد السيد المسيح، وآيتهم في ذلك بوابة عشتار الإعجازية المذ هلة، مفردات وتقنيات وأشكالا ً، وهي تزين سامقة فارعة كأعجوبة جمالية، مذ سرقت من العراق حتى الآن ، مدخل متحف برلين.
رياض ، الذي نال الدكتوراه في هذا التخصص، اشتغل على ذلك كله في ذلك كله! صنع من الخزف قلائد وتمائم وصحونا ً ومنافض للسكائر وآنية للفاكهة وجرارا ً ، ثم خرج على ذلك، بما توفر عليه من مخيال وتقنيات، بأن حول المخزوفة إلى لوحة جدارية بحجوم تستوعبها الأحياز المنزلية لغرف الإستقبال، ثم خرج على ذلك ، في جعل الحيطان العالية العريضة فضاء لجداريات كأنها من ألواح بلاد الرافدين ، ثم قرب العالي والعريض ليجعل من مخزوفاته مقاربات نحتية لنصب عصرية جدا ً، لونا ً وخامات وشكلا ً، أوتلك النماذج المصغرة التي يعرضها على منصات تملأ المقلة في القاعات المغلقة ، وفي الوقت ذاته هي مشاريع مجسدات ونصب لما يمكن أن تكون عليه إنْ ك كـُبرت لتحتل حيزها المنظور من مساف بعيد في الأفضية المفتوحة، و لتتناغم والسماوات الزرق والمحيط العياني، لتشكل بعض نسيج المشهد الطبيعي في حياتنا المعاصرة ، وسمة جذابة في المكان والزمان والبيئة.
لذا وفرت له خبرته المتراكمة المكنة من اللعب بالأحياز والحجوم والأفضية ودُرجات اللون ، بدءا ً بلون خامة الطين ذاته، كماهو في الطبيعة،إلى التزجيج و معرفة الحرارات التي تحتاجها الألوان والمواد القاصرة والمؤكسدة،إلى جانب مهارات الأشكال التجريدية أو التعبيرية، مع ترصيعات زخرفية وحروفية، وسطوح وملامس وتضاريس وتحزيزات لاتأكل من الشكل العام أوتهيمن عليه، بل لتثري الشكل والمضمون بما تنطق به من معنى المعنى بلسان جمال ٍ صادح وأصيل.
|