المقاله تحت باب أخبار و متابعات في
18/05/2015 06:00 AM GMT
ثمة خلل رافق معظم الإسهامات الفنية العراقية في بينالي فينيسيا الدولي، ناتج عن عدم فهمنا لتوجهات وأطروحات هذا الملتقى العالمي للفن. في السبعينيات (مثلاً) في احد عروضه وكما هو معروف من تكريس عنوان أو ثيمة عامة لكل دورة من دورات البينالي، كان العنوان وقتها عن (البيئة). حاورت العروض العالمية المختلفة البيئة عبر أعمال بتقنيات وتصورات وأهداف شتى, منها الصورة والإنشاءات والتجميع، على سبيل المثال عرض الجناح الإسرائيلي صخوراً فقط, صخور مستلة من مناطق عدة من فلسطين المحتلة التي كونت دولة إسرائيل. بالطبع الهدف واضح من هذه الاسهامة, صحيح أن الصخور ما هي الا تنوع بيئي معروضة بشكل فني. لكن المغزى من ذلك, هو بالتأكيد أن هذه الصخور هي ملكنا, أرضها لنا نحن. و بضربة واحدة حقق الجناح الإسرائيلي هدفين، فهو لم يتجاوز على عنوان البينالي, في الوقت نفسه الذي سوق فكرة الوطن الصهيوني. في حين الجناح العراقي كان يتألف من رسوم مختارة لبعض فنانينا المعروفين في ذلك الوقت. مجرد رسوم فنية بأساليبهم الخاصة لا أكثر, ولم تكن تمثل عنوان العرض العام بأي شكل من الأشكال، وغردنا خارج السرب. من المعروف إن بينالي فلورنسا عمد الكثير من إيقونات التشكيل الغربي, وحقق لهم الشهرة عالمياً ومحلياً, ولفت الانتباه إلى منجزهم الفني. وهو تقليد أن ترشح المؤسسة الفنية للدولة المشاركة أحد الفنانين ليمثلها في هذه التظاهرة الفنية العالمية. في دورة سابقة تمثلت اسهامة جناح الأرجنتين بفنان تشكيلي واحد, بعد أن وجدت السلطة الفنية أن باستطاعته تمثيلها بمشروع فني متكامل يناسب عنوان العرض, لم يكن عرضهم استعراضاً لكشكول فني كما نفعل نحن ويفعل عرابونا. وهذا ما فعلته أجنحة الدول المعروفة بانجازاتها التشكيلية المهمة كما ملاحظ أيضاً في الدورة الحالية. الفنان العراقي هو واحد سواء كان داخل العراق أم خارجه. أما لماذا هو مقيم خارج العراق, فاعتقد انه سؤال ساذج لا يبرر أي قطيعة بين الداخل والخارج (كما حدث في اختيار الفنانين للبينالي الحالي). لنحصي عدد ونوعية الأعمال الفنية وقدراتها التقنية والأدائية المعاصرة التي عالجت الكم الكبير من الهم العراقي المتجدد على مدار العقد الماضي والحاضر, من أجل اكتشاف حجم الاسهامة الفاعلة في الفضاء العالمي لطرح القضية العراقية وفواجعها, من قبل الفنانين التشكيليين العراقيين الذين أصلاً أجبروا على الهجرة من دون رغبتهم. فهل بإمكاننا أن نشطب على علاقتهم بوطنهم الأم أم نجردهم من وطنيتهم بالمفهوم الثقافي. لا اعتقد إننا نحتاج إلى إحصائية موثقة بالشواهد الصورية والمدونة لنكتشف أن خيرة من مثل الواقع الكارثي للعراق هم هؤلاء الفنانون المغتربون, فهي متوفرة بوسائل الميديا. أليس أغلبيتهم من الجيل الثاني وما بعده للتشكيل العراقي. أليس بعضهم, وهم من رموز التشكيل العراقي قضوا نحبهم خارج العراق على غفلة من المؤسسة الرسمية وأشباهها. فهل يعني أن نشطب على كل ذلك, ألم تكن اسهامة بعض من فنانينا في جناح الشرق الأوسط في البينالي الحالي أفضل من صندوق الدنيا الذي قدمته “مؤسسة رؤيا” التي لم تعلن عمن وكلها في هذا الأمر. هل هو إعمام لمبادرة دول الخليج للاستعانة بخبراء أجانب في إدارة وتنظيم المعارض والمهرجانات التشكيلية ونحن نعلم بأن هذه المبادرة جاءت بعد تأسيس هذه الفعاليات من قبل ملاكات فنية عربية. ماذا فعلت الخبرة الأجنبية. لقد حولوا هذه المعارض ومنها ما تسمى بالبينالي الى سوق لبضاعة الفنانين الأجانب الذين هم أصلاً على علاقة ومعرفة بهم, وتحولت هذه العروض بميزانياتها الضخمة لصالح السوق الأوروبي وعرابيه. صحيح أن ما حدث في العراق في الاسهامتين الأخيرتين لبينالي فينيسيا, اختلف عما حدث في العروض الخليجية, لاختلاف نوعية الفعاليتين أصلاً وإمكانيات التمويل والجهة غير الرسمية (المنظمة غير الربحية) كما معلن عنها. لكن هل نحتاج فعلاً إلى خبير أجنبي لاكتشاف عدد ما من الفنانين التشكيليين من أجل إشراكهم في مثل هذا العرض العالمي. وهل هذا الخبير (الذي أجرى مسحاً عاجلاً للفن التشكيلي العراقي) اكتشف من هو مؤهل لذلك. وما هو نوع هذا المسح. وهل فعلاً نحن نحتاج إليه؟ هل نحن من الجهل المطلق بواقع حال التشكيل العراقي وشخوصه والاستعانة بخبير أجنبي ليدلنا على ذلك؟ ما هي الإحصائيات التي يملكها عن المنجز التشكيلي العراقي الحالي بنحو عام؟ وهل ما بذهنه ينطبق على واقع حاله وبما يوافق عنوان الدورة الحالية من بينالي فينيسيا؟ ما حصل, وما آلت إليه الأمور أن هذا العرض لم يتعد كونه مجرد كشكول صور فوتوغرافية مختارة من نتاج عام لواحد من مصورينا المعروفين, وبعض من الأعمال الواقعية, كما لبعض رسوم العرض السابق. ولا يبرر ذلك وجود كتاب لرسوم النازحين. إذ من الممكن أن تعالج هذه القضية بتقانة فنية أفضل إن كانت من ضمن مشروع العرض. وسط كل الانجازات العالمية المتجددة التي تحيط بجناحنا وإغراءاتها الصورية والفنتازية. ما هو الموقع الحقيقي لعرضنا. وصلتني رسالة من فينيسيا تخبرني بأنه عرض هزيل جداً. ما هو الجمال غير المرئي الذي قدمه عراب جناحنا (فيليب فان كوتيرن) بعد جولته وتجواله. هل بات الفن التشكيلي منفصلاً عن واقع العراق وحوادثه المأساوية, وهل نحن بحاجة لتجميل صورتنا أمام الآخر الذي بات يعرف عن واقعنا أكثر مما نعرف عنه, الميديا لم تترك شيئاً الا وتناولته. بلد محتلة بعض أجزائه من قبل إرهابيين دوليين، يقدم أنموذجاً للجمال الخاتل خلف وقائعه, أم يقدم للعالم واقعه, ولو للفت الانتباه لمأساته التي أسهم الآخرون في صنعها. هل خلا التشكيل العراقي من أعمال ذات مستوى يؤهلها لخوض هذه التجربة وتقديمها وسط تجارب العالم الفنية, للاعتراف بقدرة هذا الشعب على مجارات الآخرين في مناطق إبداعهم, غير بعيد عن تفسير وتحليل وتقديم واقع الحال بما يفصح عن قسوة لا مبرر لها مطلقاً. كم فنان تشكيلي مقتدر فقدناه في الغربة؟ ألا يصلح هذا الأمر مثلاً لمشروع عرض يفصح عن مدى ضياعنا وسط متاهات السياسة العالمية ودهاليزها. لم يكن بيكاسو سوى فنان مغترب يعيش في فرنسا. ومن فرنسا مثل الجناح الاسباني لبينالي فينيسيا, ألم يكن اسبانياً بالأصل؟ لماذا تذهب معظم إسهامات فنانينا المغتربين الجادين لمؤسسات أو دول أجنبية. هل هو اكتشاف إن الجمال غير المرئي يمثل ثمانية وتسعين بالمائة من التشكيل العراقي, خارج منطقة التزويق.. ما هذا, أهي فكرة مبتكرة أم إيديولوجيا محددة, يفترض بأنها هي الحقيقة أو واقع حال التشكيل العراقي, وما على المنسق الا أن ينتقي من ضمن هذا الجمال ما يراه مناسباً لمشروع العرض. إن كانت الرسومات الواقعية لبعض الشباب من الفنانين تمثل الجمال, فان الأمر يدعو الى الحيرة في زمننا المعاصر الذي وفر مساحة تقنية واسعة بوسائط لا تعد لتنفيذ الأعمال التشكيلية تقنية وفكرة مبتكرة. هذا ما نجده في بقية أجنحة بينالي فينيسيا, الفنانون الذين يمتلكون المقدرة الفنية الأدائية المعاصرة في زمننا كثر, ومنهم بعض التشكيليين العراقيين الذين أغفل تجربتهم جوناثان, وأشك بأنه لا يعرف بعضهم, وإلا كيف تصدى لهذه المهمة. صحيح انك تستطيع أن تعرض الغث والسمين من النتاج التشكيلي, وتستطيع أن تروج للغث بوسائل عديدة. لكننا نحتاج لتقديم أفضل ما عندنا, من أجل أن يعرف العالم من نحن. ونحن المغتربين أدرى بقصور الإنسان الغربي عن فهمنا أو تقديرنا بما يناسب إمكانياتنا, والتجاوز على آثار تسويقنا ميديوياً إرهابيين ومتخلفين حضارياً. يقول (اوكوي انويزور) أمين الجناح النيجيري, وهو واحد من الشخصيات الفنية المثقفة وناقد فني معروف عن موضوع عنوان البينالي الحالي (كل العقود الآجلة في العالم) هو طريقة التفكير بالعالم وماذا يمكننا أن نفعل له بالأشياء والصور والتقنيات وبما ينسجم وكتابة التاريخ الحالي. فهل حقق الجناح العراقي هذه المعادلة. اعتقد أن الإسهامات العراقية الثلاث الأخيرة لا تمثل العراق بل تمثل (المنظمة الداعمة). بمعنى ما, هي عرض بالوكالة وليس بالأصالة, ولو أني أشك بمقدرة أو إمكانية الأصالة في خوض هذه التجربة الفنية العالمية حالياً, لقصورها أصلاً عن الوصول الى خيرة التشكيليين العراقيين. لذلك علينا الحكم على مزاج وتوجهات هذه المنظمات ونواياها, حتى ولو كانت خيرة. المفروض بإمكانيات وقدرات المؤسسة الرسمية ومعرفتها العميقة بمفاصل التشكيل العراقي, أن تتولى هي بنفسها الإعداد للجناح العراقي. لكن يبدو أن هذا الأمر مستحيل. وهو ما أدى الى قناعتها وغض النظر عن عمل هذه المنظمات التي تدعي تمثيل العراق افتراضاً. والمفروض كذلك أن تعنون هذه المشاركة بعنوان المنظمة الداعمة, لا باسم العراق, كما هو حال بقية الإسهامات العالمية الرسمية وغير الرسمية. هل يعني هذا أن نبقى خارج التاريخ بامتياز .. خارج العقود الآجلة للعالم!.
|