المقاله تحت باب محور النقد في
01/09/2010 06:00 AM GMT
كلما انظر الى اعمال التشكيلي العراقي المغترب في الدنمارك " ياسين عطية" اتذكر مقولة مكسيم غوركي " جئت الى هذا العالم.. كي احتج " لكن احتجاج هذا الفنان من نوع خاص . ليس صراخا بل هاديء مثل شخصيته فبالرغم من كل ما مر به هذا الفنان من ظروف صعبه مذ تخرج من معهد الفنون الجميلة عام "1985 " ليقاد الى سجن ابي غريب الرهيب بحجه تجاوز الحدود ، وهو اذ يجتهد في احتجاجه عبرمشاهد لقصص عشق ذاتية وانثيالاث متداعية من ذاكرة تمتلي بشتى الصورة المختزنه ليعيدها خطوطا والالوان.
ليبقى فنه يرتبط بالمرئي من الأشياء ، ويظل فناً وصفياً تابع من ذات الواقع عبر أسلوب قائم على تفكيك جوهر الاشياء المختفية وراء المظاهر الحياتية للانسان المعاصر وهمومه ، ليقوم الفنان باعطاء تعبيرا محسوسا لهذا الجوهر في محاولة جادة لكتشاف غير المرئي والمستتر في ذات الاشياء وطريقة وجودها.
ان اعمال الفنان " ياسين عطية" هي بحث عن منفذ ينفتح على فضاء واسع في تطوير التجربة التجريدية سواء من الناحية الشكلية او التقنية ، فالتجديد عنده يعتمد بشكل اساس على التكنيك والقدرة على استعمال اللون وتكييف اتساقة معرفيا ، الى جانب اختيار المقاسات المناسبة بمختلف الأحجام وخاصه ذات الحجوم الكبيرة تلعب دوراً في عملية التلقي والتاثير.
اما الاختلاف والتنوع ففي معالجة مستوى المواضيع والاسلوبية التي تميزاعماله فكل لوحة تحمل سر وجودها . لكن اغلب اعماله تشترك في الحضور الجسدي الانساني وهومرتبط لديه بمجموعةغير متناهيه من التداعيات الجمالية في توظيف تلك الأشكال والايهامات من خلال الانسجام والتضاد لوني ، و توظيف مركزي للأشكال والرموز المستجلبة من ذات الواقع فهو يمتلك الجرأة في تقديم منجز بصري يحاكي مايدور في المحترفات العربية والعالم.
واعتقد ان تجربة الفنان تتطور بشكل متواصل عبر اطلاعه على المنجز البصري العالمي ، فهو يحاول ان يدخل عناصر جديدة في كل مرحلة مستفيد من سعة افق التجريب ، وهذا يقوده الى فضاء مفتوح لإيصال سلسلة من الأفكار والرؤى المستحدثه، فلم يعد الأسلوب وحده الشيء الذي يميز اعمال الفنان بل التغير الموضوعي والبحث الدائم عن تقنيات التعبيرية التجريدية تلك التي يتوسم الفنان في ان تلبي الهدف الأساس ببصمه خاصة يشيع فيها الحس الجمالى وروح الابتكار مع الحرص على جوهر القيم التشكيلية وموسيقى العلاقات اللونية.
فالفنان يؤكد على دور الايحاء والتعبير فالانطباع الفكري والبصري مضاف الى الواقع وليس هو تجسيد له بحد ذاتها. انه يشكل عالماً من الألوان المتسقة مع حركة تبدأ بالمحور وتنتهي بتلاشي الاشياء وكأنه يصرخ بهدوء عن معاناة الانسان المعاصر وتتداعى احاسيسه.
والفنان نفسه من الممكن ان يكون نموذجا لهذا "الترميزوالتفكيك" للمرموز الانسانية فاعماله تأتي بانسيابية خيالية في التوصيف البصري وهذا مايمثل محور عمله الفني.
ان التجريد عند الفنان لا يعتبر محاكاة فنيه لشيء ما بل هو غاية للوصول الى فن خالص يعبر عن ذات. ويسعى لتقديم نماذج تحمل بين تدرجاتها اللونية معاني جديدة وإضافات مبتكرة من خلال النظر في كل جزء من أجزاء اللوحة ومدى ملائمته لخدمة للموضوع والوصول الى الهدف من تلك الاضافة وهو إظهارتجليات الغموض و القلق و الخوف و الفرح الانساني ، عبر طغيان واضح للالوان الصريحة التي تشير بوضوح لمخزون الذاكرة البصرية الشرقية المعروفه بسطوعها اللوني فهو يحاول أنشاء علاقة تصادمية من خلال سطح اللوحة محدثا كثيراً من التساؤلات التي تثير الدهشة ، معتمدا على المخزون الواعي واللاوعي للذاكرة الطفولية المزدحمة باشياء ومؤثرات لاتزال هي الخزين الذي يستمد منه ابداعه. انها محاولة اللعب في توظيف خيالي للإشكال ومعالجات ذكية للمواضيع . فلا غرابه ان نجد لوحات الفنان "ياسين عطية" تزدحم بالتفاصيل - احيانا - وكأنه يريد ان يقول كل شيء دفعه واحدة عبر خطوط سريعه متحررة من اي تقييد ، متجاوزا العلاقات الشكلية بين المسافات والخطوط والألوان مبدعا اشيائه الذاتية كمادة فنية منسجمه ومستجيبة لجمالية تثير تساؤلات واسعة لدى المتلقي . وتبقى تجربة هذاالفنان المجتهد من التجارب التشكيلية العراقية المهمه والتي ازدهرت في المغتربات كغيرها من تجارب جيله الذي استمد جذوره من عبق الوطن وتعلقه بهموم الانسان . فقد كان له حضور واضح في العديد من المشاركات بمعارض فردية وجماعية وخاصه على الساحة الدنماركية.
|