معرض الفنان العراقي عماد الطائي الذاكرة والآن تراجيديا العراق وخيوله

المقاله تحت باب  مقالات فنيه
في 
25/12/2009 06:00 AM
GMT



هكذا يحضر العراق بمكنوناته ومجنوناته تحت الإحتلال، في معرض الفنان العراقي عماد الطائي، وعبر رموز قوية هي الخيول، في صيغتين مختلفتين كلاسيكية، وتعبيرية انفعالية، وفي الحالتين يبدو الفنان مرهفاً وحساساً، متماكناً متزامناً مع موضوعه الذي أراد من خلاله التغول والتغور، في شؤون العراق، وشجونه، كما في شؤون نفسه وشجونها أيضاً،

 فهو عبر خمس وعشرين لوحة بالألوان، في صالة زمان للفنون (آخر الحمراء) يكاد يبتدع رؤيا فنية جديدة عما كانت عليه لوحاته التي بعث بها قبل سنوات من العراق، ووصلت صالة زمان، حيث أدهشت المشاهدين لقدرة الفنان في الرسم الكلاسيكي، المتحفى، وطاقته الجمالية في اشتقاق الألوان وكيماوياتها، وفي ترقين وترقيم الضوء على الأشكال، وكانت لوحاته هذه إضافة الى الخيول التي يتبارع فيها ، الى ضفاف برٌ من الاستشراق من خلالها، كانت لوحات المرأة العراقية، القديمة والحديثة وفلكلور العراق، وروحية ألوانه، إضافة إلى أن الفنان يرسم الخيول العربية لما في رمزيتها، من حنين الى البطولة  والخصوبة والتروية، خاصة على صعيد تميزه اللوني واستقرائه للأضواء والظلال وبنية اللوحة، التي يبدو أنه يتعاشقها ويتعانقها، ويرسل فيها مراسيل الحنين الى عراق الجمال، والى سواد العراق والنخيل ومياه العراق وألوانه، وإلى ذاكرة الحضارة فيه، الحضارات العظيمة وهو كما هو مغسول بألوان العراق الشفقية
والغسقية والخضراء كذلك هو مغسول بالشعر العراقي والمقامات الغنائية والموسيقية، والحداء والندب السامي الحضاري منذ ستة آلاف عام!


إلا أن الفنان عماد الطائي الذي كنا نستمتع برؤية لوحاته الكلاسيكية القديمة يفاجئنا بمقام جديد من مقاماته الفنية، تاركاً لجسده وروحه، التصادي والتنافد  مع أحوال العراق، وصراعاته، وهذا ما تفجر في لوحاته التعبيرية الإنفعالية وبكثير من الحركية والحيوية، والتوتر، والعصاب، وربما الهذيان الشكلي، والحظي واللوني، في تراكم أشكال الخيول، وجموحاتها، ورقصها غير المتناسق، على عكس حالها الكلاسيكية، وكأن الفنان تحول وانزاح عن ذلك الانسجام والهدوء، واتساق الأشكال وتوازناتها، وفكك ذلك الهندام الجمالي للخيول في عدوها، وتقافزها، وجعلها كأنما تجن من طاقتها وثورانها وفوران دمها، وغليان أنفاسها، وهكذا جعل ملامساتها اللونية، محكومة عدا عن تهشير المساحات بالألوان وعدا عن نقشها ورقشها، وتوريقها ، جعل الشرر يتطاير في هذه المساحات، وكأن الخيول حرائق مشتعلة مستقرة في اللوحات وكأنها لهبيات حرائق العراق السرية والعلنية في آن حيث ترك المساحات اللونية، تتبارق ، كما حال الخيول التي تعصف وتنفجر برغبات الحب والصراع إن الدراما والتراجيديا كامنتان ومعلنتان في معرض الفنان وفي غالبية لوحاته التي عن الخيول وأمزجتها وأطوارها، وطرزها، المرئية واللامرئية

وينجح الفنان في تجويد لوحته وتجميلها، وفي تطريبها وتنغيمها، بين الموسيقى والمقامات العراقية وبين الصبابات وغوايات الحب والصراع، كما بين الموسيقى الكلاسيكية، ونفير الأبواق في اللوحات الكلاسيكية، ثم ينقلب الى الحداثة، وموسيقى الجاز والبلوز والراب، وكل الإيقاعات الحديثة، وكأن الفنان مشحون جمالياً بهذين الأسلوبين وكأنه قضى زمناً طويلاً في الاسلوب العتيق الجميل، وها هو الآن، ينقذف في فضاء التعبيرية الإنفعالي اللوني والشكلي معاً، ويتحول وينزاح الى ما يمكن أن يكون عليه اسلوبه الجديد القوي المكين المتين، الذي يلتئم  في مجرياته وتفاصيله وصيرورته وجدلياته، لجهة الخيول والنساء معاً كعناصر وموضوعات أتقنها أيما اتقان ومنحها كل حساسياته ومشاعره والآن ها هو ينفخ في الصور بعد أن تحرك في فضاء الحداثة والتجريب، لنعثر عليه كائناً جديداً متناسخاً متقمصاً لوحاته، بطرائق غرائبية، مدهشة ورائعة، وبطاقات جمالية  وانشطارية معاً، يولف من خلالها لوحات تحضر من غياب حلمي، وترقى الى ضراوة الحروب والصراعات، وحتى الحب، وتتواقت مع العصر، وهي ارتدادية، جذابة الأشكال والألوان المغمدة والظاهرة، والتي تنطوي على جيشان جسد الفنان وروحه، وذلك الشجن الرائع المحمحم المحتدم فيها