في الحلقات السابقة ، تحدثنا عن التذوق الموسيقي وما يحتاجه الفرد من معلومات تساعده على ذلك لكي يستمتع بها ويستفيد منها. ولمزيد من المعلومات التي تساعد على التذوق السليم ، سيكون حديثنا هذه المرة عن عن الآلات الموسيقية العربية للتعرف عليها.إن معرفة تاريخ الآلات الموسيقية العربية يطلعنا على ما أبدعه العرب وما قدموا من جهد في تطوير تلك الآلات . للآلات الموسيقية العربية تاريخ عريق يرجع إلى بضعة آلاف من السنين قبل الميلاد. وإذا أردنا أن نتعقب تاريخ تطور هذه الآلات فإننا نعتمد على جملة مصادر : 1- الآلات الموسيقية القديمة التي اكتشفها المنقبون في بعض المدن القديمة . 2- مشاهد الآلات الموسيقية المنقوشة أو المنحوتة على عدد كبير من الآثار المختلفة مثل الدمى الطينية والتماثيل والأواني الحجرية والفخارية والجدران . 3- النصوص المسمارية التي وردت فيها الآلات الموسيقية والتي تضمنت نوع المادة المصنوعة منها والمناسبات التي استخدمت فيها هذه الآلات وغير ذلك من المعلومات المتعلقة بالحياة الموسيقية . 4- المخطوطات القديمة التي تتناول الآلات الموسيقية وصناعتها مع رسوم لها .وتتميز في هذا الصدد أسماء مثل الكندي والفارابي وابن سينا واللاذقي والمراغي وابن زيله وإخوان الصفا وصفي الدين الأرموي وغيرهم . وعلى ضوء هذه المصادر سنتعقب بإيجاز الآلات الموسيقية العربية بدأً بالآلات الوترية فالهوائية ثم الإيقاعية .
العـــــود من أهم الآلات الموسيقية العربية على الإطلاق . وهو الآلة التي استعملها الفلاسفة وعلماء الموسيقى في شرح النظريات الموسيقية . اختلفت الآراء حول أصل العود وتاريخه ما قبل الإسلام ، نذكر أهمها : جاء في تاريخ الكامل ( للمبرّد ) إن أول من صنع العود هو نوح ( عليه السلام ) وانعدم بعد الطوفان . وقيل أول من صنعه ( جمشيد ) أحد ملوك الفرس واسماه ( البربط ) . ويرى الباحث في الموسيقى العربية ( فارمر ) أن العود الخشبي اقتبسه العرب من ( الحيرة ) بدلاً من عودهم الجلدي، وهو عود ذو وجهين من الجلد . ويذكر بعض المؤرخين أن آلة العود ظهرت عند قدماء المصريين منذ أكثر من (3500)ثلاثة آلاف وخمسمائة عام حيث عرفت الدولة الحديثة التي بدأت عام ( 1600 ق.م. )وهو العود ذو الرقبة القصيرة . كما عثر في مدافن ( طيبة ) على عود فرعوني ذي رقبة طويلة وريشته الخشبية معلقة بحبل في العود , ويرجع عهده إلى ( 1300 ق.م. ) . إن الدراسة المقارنة التي قام بها الدكتور ( صبحي أنور رشيد ) لآثار العراق ومصر وسوريا وفلسطين وتركيا وإيران قد أثبتت أن أقدم ظهور للعود كان في العراق وذلك في العصر الأكدي حوالي ( 2350-2170ق.م) على ضوء ختمين اسطوانيين يمتلكهم المتحف البريطاني . ونظراً لعدم وجود آثار ذات مشاهد لهذه الآلة في العصر السومري القديم ، لذلك لم ينسب اختراع هذه الآلة إلى السومريين بل للأكديين . ثم انتشر العود في أنحاء العراق وأصبح الآلة المفضلة في العصر البابلي القديم ( 1950-1530ق.م. ) حيث كان شكل صندوقه الصوتي بشكل الكمّثرى وصغير الحجم ، واستمر على هذا الشكل حتى العصور المتأخرة من تاريخ العراق القديم . أما إيران ، فقد عرفت العود منذ القسم الأخير من القرن السادس عشر ق.م. وهو العصر الذي أعقب نهاية العصر البابلي القديم . وفي تركيا ، ومن المواقع والمدن القديمة الواقعة فيها وفي شمال سوريا والتي يعود أقدمها إلى نهاية الألف الثاني قبل الميلاد ، وترجع البقية إلى الألف الأول قبل الميلاد . وفي فلسطين ، تعود أقدم الآثار التي تحمل مشاهد العود إلى العصر البرونزي المتأخر ( 1600-1300ق.م )
العود في أوربا لقد أثبت الباحثون الأوربيون أن أوربا قد اقتبست العود مع اسمه العربي من العرب . فقد انتقل إلى الأندلس بانتقال العرب إليها وتعداها إلى أوربا وانتقل معه اسمه ولازمه في كل مراحل تطوره ، فكان ينطق به في جميع اللغات الأوربية ويكتب هكذا : بالفرنسية LUTE بالإنكليزية LUTH بالإيطالية LIUTE بالألمانية LAUTE بالإسبانية LOUDE بالبرتغالية ALOUDE بالدانماركية LUT
العود في الآثار الإسلامية : نستعرض الآن الآثار الإسلامية التي نقلت إلينا العود بمختلف أنواعه ، ليتسنى لنا الوقوف على تاريخ هذه الآلة منذ العصر الأموي وحتى القرن السادس عشر . العصر الأموي ( 661 – 750 م ) انتقلت الخلافة إلى بني أمية وانتقلت العاصمة إلى دمشق . وقد احتوت كتب التاريخ والأدب الكثير من الروايات والأخبار عن الحياة في تلك الفترة ، وصورت لنا تلك الحياة الرسوم الجدارية التي عثر عليها في قصرين من قصور ملوك الأمويين . والذي يهمنا في هذا المجال الآلات الموسيقية وبصفة خاصة العود . ففي( قصر الحير الغربي ) الذي يقع إلى الشمال الشرقي من دمشق بالقرب من الطريق المؤدية إلى تدمر ، ويعود إلى زمن الخليفة هشام في القرن الثامن ، عثر على رسوم أحدها يمثل عازفة على العود وهي في حالة الوقوف . وفي حمامات ( قصير عمره ) التي تقع في الصحراء الأردنية على بعد 50 كيلومتر شرق البحر الميت، عثر على رسوم كثيرة نشاهد فيها عازفين على الآلات الموسيقية بينها آلة وترية تنسب إلى فصيلة العود .
العصر العباسي ( 750 – 1258 م ) حصلنا من هذا العصر على رسوم كثيرة ومتنوعة لآلة العود ،منها : - رسم على إبريق فضي محفوظ في متحف الفنون الجميلة في ليون ، فرنسا . - رسم على إناء خزف ملون من العراق محفوظ في المتحف الإسلامي بالقاهرة . - رسم على ميدالية فضية من زمن الخليفة العباسي المقتدر بالله / بغداد / محفوظة في متحف المسكوكات في متاحف الدولة ببرلين ( رقم 212 ) - رسم على مسكوكة للحاكم البويهي / بغداد / محفوظة في متحف أنقرة . - رسم على علبة عاجية / جنوب إسبانيا / محفوظة في متحف فكتوريا وألبرت في لندن . - مخطوطة ( كتاب الأغاني ) / العراق / محفوظة في دار الكتب بالقاهرة . - مخطوطة من المغرب محفوظة في مكتبة الفاتيكان في روما ورسوم كثيرة أخرى محفوظة هنا وهناك في متاحف العالم .
القرن الرابع عشر إن المصدر الرئيسي الذي تعتمد عليه معلوماتنا بخصوص العود في هذا القرن هو المخطوطات القديمة التي زينت برسوم للعود وغيره من الآلات الموسيقية . ومن تلك المخطوطات القديمة مخطوطة ( المقامات ) للحريري مؤرخة في سنة 1334 م محفوظة في المكتبة الوطنية في فييينا / النمسا . كذلك مقامات الحريري المحفوظة في المتحف البريطاني . وفي مخطوطة ( كشف الهموم والكرب في شرح الطرب )يوجد وصف للآلات الموسيقية ومنها العود . وتضمنت مخطوطة ( كتاب في معرفة الحيل الهندسية ) لأبي العز إسماعيل ابن الرزاز الجزري والموجودة في بوسطن بالولايات المتحدة الأمريكية صورة لساعة مائية في أحد أجزائها أربعة عازفين من ضمنهم عازف العود . كما توجد في مكتبة بودليان بأوكسفورد مخطوطة من بغداد بعنوان ( كتاب البلهان ) فيها صورة لعازف على العود . وفي مخطوطة لكتاب ( الأدوار ) لصفي الدين الأرموي مؤرخة في 1334 م محفوظة في أوكسفورد يوجد رسم توضيحي لآلة العود وفيها خمسة أوتار مزدوجة وسبعة دساتين . أما عدد الملاوي فهو عشرة . كما توجد مخطوطات عديدة يعود تاريخها إلى القرن الخامس عشر والسادس عشر . الخلاصة 1- العود هو الآلة المفضلة على بقية الآلات الموسيقية في العصور الإسلامية وقد كان معروفاً ومستعملاً في عصور ما قبل الإسلام في أقطار الشرق الأدنى . 2- أصل العود هو عراقي أكادي سامي ، والعراق هو أقدم قطر في العالم القديم ظهر فيه العود لأول مرة وذلك في العصر الأكادي ( 2350-2170 ق. م. ) 3- الدول القريبة والمجاورة للعراق قد اقتبست العود منه في العصور اللاحقة . فنرى ظهور العود مثلاً في مصر في عصر المملكة الحديثة ( 1580-1090 ق.م. ) . 4- الآراء الأجنبية التي قيلت بصدد العود غير صحيحة ولا تؤيدها الشواهد الأثرية . 5- التحسينات والتغييرات التي طرأت على العود وأوصلته إلى الشكل المستعمل في العصور الإسلامية قد تمت في العصر الساساني . وهو العصر الذي سبق ظهور الإسلام . ولا يمكن في الوقت الحاضر تحديد القطر الذي قام بإدخال التحسينات عليه . 6- وجود فروق إقليمية في طريقة مسك العود وفي شكله . ففي العراق كانت طريقة مسك العود بصورة أفقية مستقيمة وهي السائدة بعكس إيران ومصر والأندلس حيث يمسك العود بصورة مائلة إلى الأعلى . ومن حيث الشكل ، فقد ساد في العراق الشكل الشبيه بالكمثرى وفي إيران الشكل البصلي . 7- الفتحات الموجودة في وجه الصندوق الخشبي لعود العصور الإسلامية لم تحافظ على شكل واحد ، بل اختلفت وتعددت . وأحد أشكالها المصنوع على شكل ( ) الذي كان معروفاً في العصر العباسي ، نجده مؤخراً في الآلات الوترية الأوربية . 8- العود قد انتقل إلى أوربا مع اسمه العربي عن طريق صقلية والأندلس . 9- العرب لم يقتبسوا العود من الفرس .
القانون إن الكلمة العربية ( قانون ) مأخوذة من الكلمة الإغريقية ( KANOON ) التي انتقلت إلى العرب بعد ترجمة المؤلفات الإغريقية إلى العربية في القرن العاشر الميلادي .إلا إن هناك فرق كبير في مدلول كلمة ( قانون ) عند الإغريق ولدى العرب . والواقع أن الآثار الإغريقية والرومانية لا ترينا استعمال لآلة القانون التي عرفها واستعملها العرب . ولم يتعقب الباحث الألماني ( فارمر ) هذه الآلة في عصور ما قبل الإسلام ، ولم يعالج أصلها . أما الدكتور الحفني فقد قارن آلة القانون بالآلات التالية : أ- الصنج المصري القديم الذي يعود تاريخه لأكثر من خمسين قرناً . ب- ألآشور التي ظهرت بعد حوالي (1000) ألف عام ت- آلة المونوكورد التي استعملها الإغريق في قياس أصوات السلم الموسيقي واعتبر كل هذه الآلات أصلاً للآلة القانون . إلا إن ذلك لم يكن مقنعاً للكثير من الباحثين لاختلاف شكل تلك الآلات عن آلة القانون . أما في الآثار الإسلامية ، فنجد للقانون رسوماً توضيحية في بعض المخطوطات مثل مخطوطة ( كنز التحف ) وهي باللغة الفارسية ويعود تاريخها إلى القرن الرابع عشر الميلادي فيها رسم تخطيطي للقانون . وفي مخطوطة ( كشف الهموم ) التي تعود إلى القرن الرابع عشر أيضاً والمحفوظة في استنبول، فنجد صورة عازف على آلة وترية بشكل شبه منحرف هي آلة القانون . إن شكل استعمال القانون المبينة في المخطوطة يختلف عنه في المشاهد الأخرى ، إذ أن الأوتار في القانون المرسوم هي في وضع رأسي تنزل من أعلى إلى الأسفل . والقانون في هذه المخطوطة يحتوي على عشرة أوتار وعدة ملاوي ( مفاتيح ) في الجانب المنحرف والجانب المستقيم . أما القانون في أوربا ، فقد انتقل إليها في العصور الوسطى عن طريق عرب الأندلس بصورة خاصة ، ونجده مرسوماً في آثار القرن 12-13-14-15-16 الميلادي إما بشكل مثلث أو شبه منحرف أو ما يقرب منه . والقطع الفنية الأوربية التي ترينا آلة القانون هي : 1- مخطوطة مصورة كانت في مكتبة مدينة ( ستراسبورغ ) وهي تعود إلى النصف الثاني من القرن الثاني عشر الميلادي ، وفي هذه المخطوطة رسم توضيحي لعازف يعزف على قانون بشكل مثلث متساوي الساقين ، والملاوي موجودة في القاعدة . 2- صورة في كتاب إسباني يعود إلى النصف الثاني من القرن الثالث عشر الميلادي محفوظ في مكتبة الإسكوربال بالقرب من مدريد ، وفيها عازفان متقابلان يعزفان على قانون بشكل مثلث . 3- صورة في مخطوطة تعود إلى بداية القرن الرابع عشر الميلادي محفوظة في مكتبة ( هايدلبرغ ) فيها عازف لآلة القانون بشكل يشبه المثلث . 4- لوحة فنية إيطالية تعود إلى القرن الرابع عشر الميلادي موجودة في ( بيزا ) ، وفيها عازفة جالسة تعزف على القانون بأصابع يدها اليمنى المجردة .والقانون فيها بشكل شبه منحرف تقريباً .
السنطور السنطور كلمة فارسية معربة معناها النبر السريع . وهي آلة وترية بشكل شبه منحرف غير قائم الزاوية . يحتوي السنطور على 25 وتر معدني الشد فيها رباعياً ، أي أن لكل أربعة أسلاك درجة صوتية واحدة وبهذا يكون مجموع الأسلاك 100 مائة . وهي تمر فوق 25 مسنداً . يستعمل عازف السنطور مضربين من المضارب الرقيقة المصنوعة من خشب خاص وتثبت المفاتيح التي يبلغ عددها 100 على الجهة اليمنى من السنطور . ينسب اختراع السنطور إلى المغني الفارسي ( الفلهيد ) ، وقد دخلت هذه الآلة بغداد أواخر عهد الدولة العباسية . رغم أن العازف والعالم الموسيقي المشهور ( صفي الدين الأرموي ) الذي عاش أواخر الدولة العباسية وشهد سقوط بغداد ومات سنة 1294 ميلادية ، لم يذكر في مؤلفاته شيئاً عن السنطور ولا عن المخترع . ويقول ( فارمر ) عن آلة السنطور بأنها كانت تسمى في مصر في القرن الخامس عشر ( القانون ) ، وكانت تسمى في سوريا ( السنطير ) ، إذ كان الاسمان يطلقان على آلة واحدة في القرن الخامس عشر ، ولكن ذكر الآلتين في مصر عام 1520 م يدل على انهما كانتا متنيزتين الواحدة عن الأخرى . والسنطور أيضاً نجده في القطع الفنية الأوربية ، حيث نراه مستطيل الشكل ذا أربعة أوتار . وقد ذكر ( فارمر ) بأن الآلة الوترية الأوربية المعروفة باسم ( ECHIGUIER ) هي مشتقة من الكلمة العربية ( الشقرة ) أو (المشقر ) وهي آلة وترية ذكرها ( الشقندي ) المتوفى عام 1231 م من ضمن الآلات الموسيقية التي كانت معروفة في الأندلس . وسار على هذا الرأي الباحث الألماني المشهور ( زاكس ) حيث قال : ( من الثابت أن جميع آلاتنا الموسيقية مصدرها الشرق . وقد انتقلت إلى أوربا بأكثر من طريق . والآلة الوحيدة التي كانت تعتز أوربا بأنها من مبتكراتها هي آلة البيانو . ولكن ثبت أيضاً أن مصدرها عربي أندلسي . فإن أقدم لفظ أوربي أطلق على هذه الآلة في اللغات الفرنسية والإنكليزية والإسبانية هو ( ECHIGUIER ) وهو اللفظ العربي (الشقير ) . وكان يطلق على آلة صغيرة ذات مفاتيح سوداء وبيضاء على التوالي حتى القرن الرابع عشر .
وتعتبر هذه الآلة إحدى الحلقات الأولى التي تطورت منها البيانو .
الآلات الوترية ذات القوس . يعتبر استعمال القوس في العزف على الآلات الوترية بداية عصر جديد في تاريخ الموسيقى ، وتطوراً هاماً من الناحية الفنية الموسيقية . لأن الصوت بفضل استخدام القوس يأتي ممتداً ومتّصلاً . إن أقدم إشارة تاريخية لاستعمال القوس تعود للفارابي ( منتصف القرن العاشر ) إذ يقول عند كلامه في ( الوجه في استخراج النغم من الآلات المشهورة ما يلي :( ومنها ما يحدث النغم بأن يجر على أوتارها أوتار أخر أو نا يقوم مقام الأوتار ) . كما إن استعمال القوس في العزف على بعض الآلات الوترية قد ورد في مؤلفات علماء آخرين مثل ( ابن سينا ) و ( ابن زيلة ) في النصف الأول من القرن الحادي عشر ، وابن زيدون في القرن الخامس عشر الميلادي . وقد انتقل القوس والآلات التي تستخدمه إلى أوربا في بداية القرن الحادي عشر الميلادي . واختلف الباحثون في تحديد الموطن الأصلي للقوس . وظهرت في ذلك عدة نظريات وآراء منذ القرن الماضي . فجعل الباحث ( FETIS ) من شمال أوربا موطناً للقوس ، وقال آخر إن الشرق هو موطن القوس . ثم غيّر ( FETIS ) رأيه معتبراً الآلة الهندية الوترية المعروفة باسم ( رافاناسترون RAVANASTRON ) الأم والأصل الذي تطورت منه الآلات الغربية ذات القوس ، وقال إن القوس قد انتقل من الهند عبر إيران والبلاد العربية إلى أوربا ، وقارن كذلك ( الرباب والكمنجة ) بالآلة الهندية المذكورة . وسرعان ما انتشر هذا الرأي بين الباحثين الموسيقيين في أوربا وخارجها ، فنجد مثلاً في كتاب الدكتور (الحفني)حيث كتب من دون ذكر المصدر قائلاً : ( أقدم آلة وترية وقع عليها بالقوس في تاريخ العالم كله هو آلة هندية قديمة يرجع عهدها إلى أكثر من خمسة آلاف عام قبل الميلاد تسمى ( RAVANASTRON ) وكانت ذات وترين أو ثلاثة ) . وكذا أكّد غالبية الباحثين الأوربيين هذه النظرية .
الرباب والجوزة أطلق العرب لفظة ( رباب ) على عدة أنواع من الآلات الوترية ذات القوس ، شأنهم في ذلك شأن الفرس الذين أطلقوا لفظة ( كمنجة ) على آلاتهم الوترية ذوات الأقواس . وفي المؤلفات العربية أشار ( الخليل بن أحمد الفراهيدي ) في القرن العاشر الميلادي إن العرب كانوا ينشدون أشعارهم على صوت الرباب . كذلك ذكر ( الجاحظ ) الباب في مصنفه ( مجموعة الرسائل ) ، وابن سينا وابن زيلة . أما الفارابي فقد عالج الرباب بصورة مفصلة . ولقد تنوعت الرباب وعرفت بأسماء مختلفة حسب الأقطار . نعرف منها في مصر والشرق العربي ( رباب الشاعر ) وهي التي نسمّيها ( الربابة ) . وهي ذات صندوق صوتي مستطيل ذو جانبين مقوسين إلى الداخل ، وأحياناً يكون صندوقها الصوتي مربعاً . وهناك ( الرباب المغربي ) المستعمل في المغرب والجزائر وتونس وليبيا . ثم ( الرباب التركي _الأرنبة ) التي تدخل في فصيلة الرباب ، والآلة التي تسمى ( كمنجة ) والمعروفة في العراق باسم ( الجوزة ) وفي مصر باسم (الرباب المصري ) . إن رباب الشاعر ، أي رباب البدوي العربية محدودة الاستعمال ولم يرد لها مشاهد في الآثار الإسلامية ، لأنها لم تكن آلة البلاط والقصر بل آلة الكوخ والصحراء كما هي عليه الآن . والواقع أن شكلها المستطيل ذي الجانبين المقوسين يعود إلى عصور ما قبل الإسلام ، سوى أن العزف عليها لم يكن بواسطة القوس وإنما بواسطة المضرب الصغير أو بالأصابع . ويرى البعض أن رباب الشاعر هي الأصل الذي اشتقت منه آلة (الجوزة ) أي ( الكمنجة ) ، وهذا رأي غير صحيح تبطله الشواهد الأثرية التي أثبتت أن آلة الرباب ذات الصندوق المدور هي أقدم من الآلة ذات الصندوق المستطيل.
الآلات الموسيقية الهوائية . أولاً : الناي والمزمار الناي كلمة فارسية تقابلها بالعربية كلمة ( الشبّابة والقصّابة والقصب ) ، وصيغة التصغير لها هي القصيبة. يصنع الناي عادة من الخشب ، وأحياناً من المعدن . أما المزمار أسطوانة من الخشب أسفلها بشكل مخروط مجوّف وفي رأسها قشّة للصفير . وتقابل المزمار الكلمة الفارسية ( سرناي ) والكلمة التركية ( زورنة ) . وقد أوردت المراجع العربية المختلفة أسماء عديدة لهذه الآلة مثل : الداوود _ الزمخر _ اليراع ) . أما عن تاريخ الآلة في عصور ما قبل الإسلام ، يرى الباحثون في تاريخ الآلات الموسيقية أنّ آلات النفخ التي تعتمد في نشوئها على القصبة أو العظم _ أي على الخامات الطبيعية _ موجودة منذ العصور الحجرية في أكثر الأقطار و في نفس الوقت ، وكذلك وضع الناي . لذا لا يمكن أن ننسب هذه الآلة إلى بلد معين . تشير الآثار المصرية إلى أنّ أقدم ظهور للناي فيها كان في النصف الثاني من الألف الثالث قبل الميلاد ، وذلك بدلالة أثر موجود في متحف بأوكسفورد في إنكلترا . أما في العراق ، فقد عثر في المقبرة الملكية في مدينة ( أور ) على أجزاء من ناي أصلي مصنوع من الفضة بطول 26,7 سم له أربعة ثقوب متساوية الأبعاد فيما بينها . كما عثر على ناي آخر مصنوع من الفضة أيضاً لكنه ذو ثقب وحيد ، ويعود زمن هذه الآثار إلى حوالي 2450 قبل الميلاد . كذلك توجد رسوم كثيرة لهذه الآلات على آثار تعود إلى الألف الثاني والأول قبل الميلاد . وفي فلسطين وسوريا تبدأ الآثار الخاصة بآلة الناي من القرن الرابع عشر والثالث عشر قبل الميلاد وتستمر إلى ما بعد الميلاد
الناي والمزمار في الآثار الإسلامية : إن آثار الأمويين ( 661 _750 ميلادية ) والعباسيين ( 750 _ 1258 ميلادية ) وآثار العصر المغولي ( 1258 _ 1294 ميلادية ) والإيلخاني ( 1295 _ 1370 ميلادية ) والتيموري (1370 _ 1501 ) والصفوي ( 1501_ 1525 ميلادية ) قد حملت إلينا مشاهد كثيرة تشير إلى استعمال الناي والمزمار ومنها : 1- رسم فرسيك في أرضية ( الحير الغربي ) في زمن الخليفة الأموي ( هشام بن عبدالملك 724 –743 ميلادية ) . 2- رسم جداري من العصر الأموي في النصف الأول من القرن الثاني الميلادي ، عثر عليه في حمّام قصير عمره الواقع على بعد خمسين كيلومتر شرق البحر الميّت في صحراء الأردن . 3- صورة غلاف لمخطوطة كتاب الأغاني مؤرخة عام 1217 ميلادي . 4- صورة في مخطوطة (مقامات الحريري ). 5- صورة في مخطوطة ( كشف الهموم ) تعود إلى القرن الرابع عشر . وقد ذكر ( الفارابي ) في كتابه ( الموسيقى الكبير ) وصفاً تفصيلياً للناي والسرناي والمزمار المزدوج مبيناً عدد الثقوب ونغماتها وأبعادها مع ما يقابلها من نغمات العود .
ثانياً : البوق ( النفير ) وهو عبارة عن أنبوبة من النحاس ذات شكل أسطواني لمسافة ثلاثة أرباع طولها ، ثم يصبح شكلها في الربع الأخير مخروطياً ينتهي باتّساع يشبه الجرس . إن أقدم أثر يرينا استعمال هذه الآلة يعود إلى فجر السلالات الثاني ( 2600 –2500 قبل الميلاد ) . وهذا الأثر عبارة عن كسرة من حجر الكلس موجودة حالياً في المعهد الشرقي بجامعة شيكاغو في أمريكا وقد نحت عليها شخص ينفخ في البوق . ولقد أشارت النصوص المسمارية في النصف الثاني من القرن العشرين والنصف الأول من القرن التاسع عشر قبل الميلاد إلى اسم لآلة موسيقية هوائية تسمّى باللغة السومرية ( كي إيرا gi irra ) أو ( كه _ إير_را ge- er – ra ) ، وذكرت استعمال الرعاة لها . كما ذكر الباحث ( هيرتمان ) أن أقدم أثر مصري للبوق يعود إلى القرن الخامس عشر قبل الميلاد ، إذ نرى في رسم جداري في أحد القبور نافخ بوق يتقدم المحاربين .
البوق في الآثار الإسلامية : نشاهد هذه الآلة في الآثار الإسلامية التي تعود إلى القرن الثالث عشر الميلادي . ومنها صورة بريشة الفنان ( الوسطي ) يزيّن مخطوطة مقامات الحريري المحفوظة حالياً في المكتبة الوطنية في باريس وصورة أخرى في مخطوطة ( عجائب المخلوقات ) للقزويني وهي محفوظة في متحف الفنون ببوسطن في امريكا .
ثالثاً : القرن إن الأسماء المعروفة في اللغات الأوربية لآلة القرن مقتبسة عن الكلمة العربية ( قرن ) . ففي الإنكليزية والألمانية ( هورن HORN ) والإيطالية ( كورنو CORNO ) . أما كلمة قرن العربية فترجع أصولها للكلمة الأكادية ( قرنو GURNU ) . وهذه الآلة تصنع أصلاً من القرون المجففة لبعض الحيوانات كالثيران والماعز ثم تثقب وينفخ فيها كآلة موسيقية ، وصنعت بعد ذلك من عاج الفيل والمعادن والفخار . ويقول الدكتور الحفني : ( كانت بداية ظهور تلك في المدنيات الشرقية القديمة حيث صنعوها من قرن الحيوانات أو العظام بعد ثقبها ، أومن الأخشاب ثم من المعادن ) . ولقد عثر في مقبرة ( توت عنخ آمون ) على أربع من آلات النفخ النحاسية . ويذكر الباحث الألماني الشهير ( هيكمان ) أن هذه الآلة قد ظهرت في مصر في عهد المملكة الحديثة ( 1850-1580 قبل الميلاد ) . ومن الطريف أن أحد النصوص المسمارية السومرية في القسم الأول من العصر البابلي القديم ( 1950- 1850 قبل الميلاد ) يخبرنا عن تجوال المنادي في شوارع المدينة ونفخه قي القرن معلناً ضياع ختم أسطواني يعود لأحد التجار ، فنستنتج من ذلك النص المسماري أن القرن كان مستخدماً آنذاك كوسيلة من وسائل الإعلام الرسمية . كما جاء ذكر القرن ضمن آلات أوركسترا الملك الكلداني ( نبو خذ نصر 604- 562 قبل الميلاد ) التي ذكرتها التوراة ، إذ وردت هذه الآلة بصيغة ( قرنا KARNA ) . كما عثر على مجموعة قرون ومشاهد لها في أماكن مختلفة من سوريا وفلسطين بعضها مصنوع من العاج والأخر من قرون الحيوانات ، ويرجع زمن هذه القرون إلى الفترة من القرن الرابع عشر إلى القرن التاسع قبل الميلاد . وهنالك مشاهد متأخرة جداً لهذه الآلة ظهرت منذ القرن الرابع الميلادي . القرن في الآثار الإسلامية تعتمد معلوماتنا عن آلة القرن في العصور الإسلامية على ما عثر عليه من قرون في إسبانيا وصقلية وغيرها من الأقطار . وهي تعود في زمنها إلى القرن العاشر – الثاني عشر الميلادي . وهذه الآلات مصنوعة من سن الفيل ومزخرفة بنقوش نباتية وحيوانية وغير ذلك ، وكان بعضها مغطىً بقشرة من الذهب .
الآلات الإيقاعية تقسم الآلات الإيقاعية إلى : أولاً : الآلات ذات الرق وهي الآلات التي يكون النقر فيها على جلد رقيق مشدود على إطار أو صندوق صوتي ، ويكون النقر على هذه الآلات إما باليد أو بواسطة المضارب ، وجسم هذه الآلات إما أن يكون إطاراً كما هو الحال في الدفوف والطبول ، أو أسطوانة مثل بعض الطبول والدربكّة ، أو بشكل كأس أو إناء مثل التمباني والنقارات.
ثانياً : الآلات المصوّتة بذاتها
وتنقسم إلى قسمين : 1- نوع يمكن تمييز درجة صوته ، ويصنع هذا النوع من قطع خشبية أو معدنية أو أنابيب أو صناديق مصوّتة على شكل آنية ، وتستعمل المضارب في النقر على هذه الآلات ومنها الإكسيليفون والميتالفون والأجراس وغيرها . 2- نوع لا يمكن تمييز درجة أصواته مثل المصفقات والصنوج والكاسات . ونلاحظ أنه في الوقت الذي كتب فيه فلاسفة وعلماء من العرب والمسلمين أمثال الخليل بن أحمد والفارابي والكندي وابن زيلة والأرموي والخوارزمي بمضمون مؤلفاتهم دراسات علمية عميقة عن الإيقاع ، نراهم يتركون معالجة ووصف آلات الإيقاع نفسها .
الدفوف إن الأسماء التي تطلق على الآلات الداخلة في فصيلة الدفوف متنوعة مثل الرق – الدائرة – البندير- المربع – الغربال . وفي المراجع القديمة توجد كلمات أخرى تدلّ على الدفوف مثل الدرادل والمزاهر .وتختلف الدفوف من حيث الشكل والحجم . فهناك الدفوف المستديرة وهي صغيرة وكبيرة . وهناك الدف المربع . كما إن بعض الدفوف تتصل بإطارها صنوج نحاسية ، ويسمى هذا النوع ( الرق ) . أما الدفوف التي تحمل في إطارها حلقات صغيرة من الحديد عوضاً عن الصنوج النحاسية فتستعمل في الأذكار والمناسبات الدينية . لقد أوردت المراجع العربية القديمة أقوالا خرافية ومتضاربة بخصوص الدفوف . والدفوف المربعة منها والمستديرة الخالية من الصنوج والحلقات الصغيرة كانت معروفة ومستعملة في عصور ما قبل الإسلام ، وهي مازالت مستعملة في الوقت الحاضر في الأقطار العربية والإسلامية . إن أقدم أثر يحمل مشهد النقر على الدف المستدير يعود إلى فجر السلالات الأولى ، في حدود ( 2650 قبل الميلاد ) . واستناداً إلى الآثار ، نستطيع أن نقول : 1- الدفوف المستديرة كانت معروفة منذ الألف الثالث قبل الميلاد . 2- وجود نوعين من الدف المستدير ، صغير وكبير . 3- وجود طريقتين لمسك الدفوف ، الأولى أمام الصدر والثانية قريباً إلى الكتف أو الجانب الأيسر على الأكثر . 4- إن النقر على الدف غالباً ما يتم بواسطة الأصابع وأحياناً بواسطة العصا . 5- إن الدف المستدير كان يستعمل من قبل النساء والرجال . 6- إن استعمال الدف المستدير كان في أثناء السلم والحرب . 7- إن النقر على الدفوف كان منفرداً ، وأحياناً كثيرة يرافق العود والكنّارة والناي والصلاصل والكاسات بصورة ثنائية أو جماعية . وفي الآثار الإسلامية ظهرت مشاهد النقر على الدف المستدير الصغير وكذلك الرق . أما الدف المربع فقد ورد ذكره في الكتب والأشعار فقط دون أن نجد له أثر إسلامي .
الطبول للطبول أشكال مختلفة كثيرة ، منها الطبل المستدير الكبير والطبل الطويل والطبل الأسطواني والنقارات ( التمباني ) والكوبة والطبلة ( الدربكّة ) . ومعظم هذه الآلات كانت معروفة في عصور ما قبل الإسلام ، واستمر استعمالها في العصور الإسلامية ثم انتقل بعضها من الشرق إلى اوربا عن طريق صقلية وإسبانيا التي لاتزال تستعمل هذه الآلات وفي مقدمتها آلة التمباني .
النقارات النقارات كما جاء في معجم الموسيقى العربية هي طبول ذات وجه واحد مصنوعة من الفخار أو النحاس على هيئة الطاسة ، يشدون على فوهتها رقاً ، والعمل يكون على اثنين منها إحداها الحروب ومواكب الحجاج والأعياد . كانت النقارات مجهولة لدى العالم الإغريقي والروماني لغاية القرن الأول قبل الميلاد ، حيث تعرّف الرومان لأول مرة على النقارات واستعمالها أثناء الحرب التي دارت بين الحاكم الروماني على سوريا ( كراسوس 115-53 قبل الميلاد ) وبين الجيش العربي الذي استعمل في إحدى هجماته على الجيش الروماني النقارات عوضاً عن النفير . واقتبست أوربا النقّارة من الشرق مع التسمية . ففي إنكلترا كانت تعرف ب(ناكيرز NAKERS ) وفي فرنسا ( NACAIRS ) . أما النوع الكبير من النقارات فيعرف في أوربا باسم ( تمباني وهي تسمية إيطالية حديثة .
|