نظرة ذاتية لتجربتي الفنية
ميزت الحركة التشكيلية المعاصرة في الساحة الفنية العراقية (وهي البيئة التي انتمي اليها),منذ البدء بايجاد معادلة موضوعية بين المفاهيم (فكريا )وبين المنجزات التشكيلية (شكليا) . الحدث اليومي بواقعيته المادية كان فعلا ظاغطا لخلق اتجاهات اسلوبيا محدثة وفق رؤية فنية تمتاز بخطابها الحداثوي ومعالجاتها المعاصرة .
انها الرؤية التي تعتمد نظام فني يمكننا تحديده بشكل مبسط ,انه يعتمد تحليل الظاهرة البيئية في زمان ومكان معينيين ومن ثم تركيبها وفق اسلوب يقترب من الفن التعبيري , (اي اننا نجد في بعض الاحيان ,ان المضمون او المحتوى الفكري يطفو على السطح التصويري للعمل الفني ,مما يشكل صورة مغايرة للمفهوم العام للفن التعبيري بخصائصه المتعارف عليها ). وفيما يتعلق بالاتجاه الفني التي ينحى اليها معظم اعمالي الفنية ولا سيما الاعمال التي انجزت في فترات نهاية التسعينات والى وقتنا الحالي ,فانني اميز فيه عدة محاور,
المحور الاول :هو تكوين علاقات جديدة لموثرات (مفردات )جمالية من الواقع البيئي والتي كانت قد خزنت اساسا في ذاكرتي شعوريا ولا شعوريا .
وهنا اجدني انصاع لضرورة داخلية تجدني على جزء من ذاتي في مادة محسوسة عبر تكوين صور ذهنية معينة بالرغم من انني استمدها من واقع محسوس ,الا انها ما تفتأ ان تستقل من ذلك الواقع لاسباب اعللها _بالتراكم الخبري _الذي يتولد عن تفاعل بين الصور الذهنية المتراكمة لينشا عن هذا التفاعل قوام مستقل بذاته يكفيني ان اضعه اساس للعمل الفني الذي انا بصدد تنفيذه .
المحور الثاني :يمكنني ان ادعوه بالتركيب ,بين المؤثرات المنتقاة لاستخلاص هيئة تعتمد مضمونا فكريا يتأسس بالدرجة الاولى على المادة التراثية بأبعادها الشعبية . كان التراث الحاشد بالرؤى والصور الادبية ,مهاد جمعي مخزون مندمج بشكل او اخر,مع البيئة الاجتماعية كهيئات ومحتوى فكرى او مكونات ثقافية,
لقد اعتمدت الاستعارة الشكلية لمفردات ذات قيم ترتبط بالواقع المحسوس ,اساسا ماديا لممارسة طقوس فنية من خلال التلقائية والقصدية في الاختزال ومن ثم خلق علامات ورموز مضافة تظهر في اي جسم فيزيائي او قوام ظاهري محسوس .
وهنا يجب ان اشير الى ان هذه الرموز ,وان لم تتغير في محتواها الشكلي الا انها اكتسبت دلالات جمالية مضافة للتنضيم الخاص بالسطح التصويري ومراكز الجذب والانتباه وتوزيع العناصر من حيث القوة اللخاصة بالتالف والتوتر في العمل الفني .
بينما كان المحور الثالث :يهتم بالتصميم الذي يشكل نظاما شبه موحد ,اعتمد على تجاور المساحات ذات الدرجات اللونية المتناغمة (الالوان الترابية ومشتقات البني )كاساس للسطح التصويري ,الذي يحتملب احيانا تشكيلات لونية متناقضة اساسها اللون الاسود والشذري بتريجات متعددة ,في معظم اللوحات التي تهتم بالاشكال المعمارية كجانب خلفي للحدث المصور . ان استخدام الاشكال والمفردات المعمارية في منحى فكري يستند على توظيف المادة التراثية في خطاب فني معاصر لايحل محل الاسلوب العام , بل مواز له وان جاء في بعض الاحيان محاكيا له ,الا ان المعالجات التقنية لعبت دورا في الخروج عن تقليديته الى حيز التجارب الحداثوية . ويجدر بي الاشارة الى ان هذا الاسلوب فرض وجوده كوعي جماعي ولو لفترة محددة ضمن التحولات الفنية الحديثة في الساحة الفنية العربية.
وفي وقفة متانية لنتاجي التشكيلي ,اجدني امام اسلوب اعتمد مصادر بصرية متعددة ,ابتداءا بتراث شعبي هائل من فنون وادي الرافدين مرورا بفنون اسلامية وشرقية وانتهاءا بالاعمال المعاصرة المتمثلة باعمال كل من جواد سليم ,شاكر حسن في اعماله الاولى ,اسماعيل الشيخلي ,نزار سليم وضياء العزاوي في اعماله الاولى .
ولعلي من الحكمة بمكان ان اترك معايير التأثر والتاثير والاقتباس الغير مباشر لنقاد الفن الذين هم بالتاكيد ينظرون الى اسلوبي الفني من زوايا نظر متعددة قد تكون من الصعوبة على الفنان تناولها او الاهتداء اليها . |