وقد ضم بين حناياه أكثر من ثلاثين لوحة خط مذهبة بعشرات الأساليب الفنية، توزعت على جدران القاعة الأنيقة. وغني عن القول ان هذه المدرسة الإبداعية العريقة، التي كانت بغداد مقراً لها، قدمت (ابن مقلة)، و(المستعصم)، و(هاشم الخطاط)، و(عباس البغدادي)، وجاء الهيتي ليقول من خلال لوحاته، إن هذه المدرسة باقية إلى أن يشاء الله حول اللوحات المعروضة التي مثلت مراحل مختلفة من تجربة هذا الخطاط العراقي ،طيلة السنوات الماضية؛ قال طه الهيتي: (هناك 32 لوحة تنتقل موضوعاتها بين القرآن الكريم، والحكم، والأمثال المأثورة، وكلمات أمير المؤمنين علي بن أبي طالب -كرم الله وجهه-، وأبيات من الشعر العربي الكلاسيكي كأشعار المتنبي والجواهري والحلاج والأخطل..
وأخرى من القصائد الحديثة للراحلين نزار قباني وبدر شاكرالسياب، كما تم عرض اللوحات على صنفين، من حيث التعامل التقني معها، بين تذهيب كلاسيكي مثل الهلكار، والسليمي، وصنف آخر جرى تذهيبه وزخرفته بشكل عضوي حديث.وأشار الهيتي إلى تحديثه لأساليب التذهيب في بعض لوحات المعرض وتقديمها بطرق عرض مختلفة عن السائد، فقال: جرت العادة أن يكون التكوين الكلامي - الخط- مكتوباً بشكل هندسي منتظم كالمستطيل أو الدائري أو غيرها من الأشكال الهندسية الأخرى.وذلك كي يكون شكل التذهيب أو الزخرفة منتظماً أيضاً، فالناتج يكون قطعة منتظمة في إطار مذهب مع جوانب تدعى بالوسادات- متناظرة بشكل كامل، إلا أن الأمور اليوم تتجه نحو الاختزال وكسر الرتابة، لذا فإن قسماً من الأعمال تتجه نحو أشكالٍ عضوية بحتة تبتعد عن التناظر والهندسية، حتى أن بعضها لا يتخلى عن الزخرفة والتذهيب فقط؛ بل إنه يتخلى عن المضمون الكلامي أيضاً، فالحرف العربي وصل بتجرده إلى درجة من الجمال والتناسق، بشكل يؤهله للتخلي عن الزينة والمكياج، فالصمت في حرم الجمال.. جمالُ. كما يقول الراحل نزار قباني.
وأثناء جولة على الأعمال الفنية، لاحظنا أن أكبر لوحات المعرض، تحتوي على حرفين فقط مع اتصالاتهما بالحروف الأبجدية، كما شكّل الفنان لوحتين لرؤوس الخيول العربية مشكلة بخط الثلث مع زخرفة مذهبة للجام هذه الخيول. ويعتبر الهيتي أن خط الثلث الذي زيّن به معظم لوحاته يمثل سيد الخطوط العربية، وتفيض لوحات طه الهيتي بالحياة وكأن مداد القلم لديه قد ألبس تلك الحروف الصامتة رداءً روحانياً، جعل المرء يشعر بأنه يسمع صوت الذكر الحكيم فيها، أو أن صدى أصوات الشعراء، لما يزل في أثير الكون.
خلاصة القول، إن تثبت لوحات الخطاط والمعماري المبدع طه الهيتي تثبت يوماً بعد آخر؛ أن الخط العربي ليس حرفة أو مهنة أو عملا احترافيا ليس أكثر، وأن هذا القول يجافيه العمق الفني والرؤية الفنية الناضجة في خطوط الهيتي، التي بدت أقرب إلى لوحة تشكيلية تصدح بالجمال منه إلى خطوط جامدة، ولتثبت مدرسة الخط البغدادية التي نهل منها الهيتي هيبتها وأصالتها أمام كل التحديات التي واجهتها.