( ياصاحب النخيل :- الخمرة جفت )
( هؤلاء جعلوا للحلم قصاصا )
( العائلة تشارف على الانقراض من يومي )
( كم نحتاج من الماء لنحني عنق سنبلة في الحقل )
هذا الشائع والملموس الذي إستخدمه وديع في قصائده أراد أن يقول لنا من خلاله أن الشعر لايعبر عن الأضواء الساطعة فحسب وانما عن الظلال المموهة ، ولايكتفي بمشاهدة الحقائق من الخارج ، وانما يتصل بها ويتحد معها . لم يكن أستخدام العاطفة في شعره صدفة عابرة او لعبة شعرية يراد من خلا لها استدراج المتلقي ، وانما هي ظهور تلقائي تنبعت من بين ركام أسئلته التي نبحث عن جوانب الشعر ، تلك الاسئلة المثقلة بهموم التاريخ والهوامش والتفصيلات اليومية ، والتي يحاول من خلالها استعادة توازنه النفسي والرجوع الى شخصيته الجوانية"
وأختتم الربيعي شهادته بالقول "
وانا أقرأ قصائد ( مايقوله التاج للهدهد )وجدت فيها رعبا هائلاً، وكما من الاسقاطات المعرفية :( كل يوم أشطب عاماً من التقويم ، وارفع مظلتي خوفاً من سقوط راس اليوم الجديد على حلمي ) .أنه يحاول أن يخلق شكلا ً مغايراً لواقعة اليومي ليدرء به الفاجعة، هكذا نجده دائم التحفيز لمواجهة مصيره المجهول والمليء بخسارته وخيباته ونكوص ليوصله ،أن وديع شامخ دائم البحث في قصائده عن الثمرة ، تلك المجهولة الشكل ليس لها صفات محددة ، الا انه كان يراها محلقة مثل الحلم في راسه
كلما حاول الامساك بها تسربت من بين أصابعه ثمرة الشعر بالنسبة له امراة لعوب ، تقبله مرة،ومرة تضع السكين والملح بين ضفتي جرحه ."
ثم قرأ المترجم محسن بني سعيد شهادة الشاعرجمال الحلاق لعدم حضوره لظروف طارئة إذ جاء في شهادة الحلاق ما يلي "
حين تأتي الكلمةُ
عاريةً
إلا من طلسمها
فاغلق عينيك
فالشعر إصابةٌ
ينجو منها
إلا السائب
بلا طريق
الإشكال ليس في الشعر ، بل في الطريق الذي يقود اليه .
الذائقة التي تخلق ، أو تحاول مهنة الخلق ، تُعلن ، لا عن فرادتها في المعنى ، بل في شكل صياغة الكلمات أيضا . وليس سهلا الإصغاء لتجربة تحاول تبرير وجودها ، ستقف الحواس كحرس يمنع تلقي الشعر كما هو ، ستقف الذائقة ضد نقيضها ، وستنمو الفجوة ، حتى يكون الشعر هناك حين يكون العالم هنا .
"ما يقوله التاج للهدهد " ، محاولة في ردم الفجوة ، الردم هنا بدلالة الاستنفار ، سيكون المتلقي بحواسه الخاصة جدا ، طرفا في إحياء سؤال البدايات والخاتمة ، لا وصايا ، لا طريق جاهزة ، لا دليل ، أقدام فقط ، في طلسم يحاول ربط الكائن بالممكن ، ربط الثابت بالمتحرك .
" صديقي اللدود "
" حياتي هديّة لأحلامك
هل تعدني أن لا تموت بتشمّع الحواس"
أحيي صديقي الشاعر وديع شامخ ، وأحيي إصراره المتواصل على الإصابة بالشعر" .
وبعدها جاء دور الناقد والمترجم محسن بن سعيد الذي قدم الشاعر للجمهور: قائلا " لقد تعرفت على وديع شامخ الانسان منذ اسبوع ، واما وديع المبدع فأنا اعرفه منذ زمن كاف لاقامة علاقة نقدية مع تجربته. وديع الانسان يخاف من وديع الشاعر ، والعلاقة بين حواسه ورأسه ملتبسة وملبّّدة ، فهو تارة يصفق ليده بحرارة واخرى يوبخ حواسه بوصفها سيئة الصيت كما جاء في احد نصوصه " حواس سيئة الصيت" والشاعر هنا وفي مجموعته الاخيرة تحديدا يشيد بيتا واحدا ذو ابواب ومخارج مختلفة ... دعونا اذن ندخل بيت الشاعر وعالمه .. ثم بدأ الشاعر بقراءة نصوص مختارة من مجاميعه الشعرية وبعض من جديده ، ثم أستدرك الشاعر مخاطبا الحضور " لا اريد ان اكون منشدا أو واعظا في حضرتكم .. اطلب منكم مشاركتي لتكون الامسية حوارية نشارك معا في انجازها " ففتح المترجم محسن بني سعيد باب الحوار للجمهور وقد شارك في الحوار كل من الشاعر عباس بوسكاني والسيد مدحت الباز ولفنان التشكيلي حيدر عباس و حسين مسلم الطعان ، وقد تمحور النقاش حول موضوعات شتى كالقراءة والتلقي وصعوبة الشعر الحديث، واستخدام الرمز والغموض في عصر الدكتاتورية وحاجة الشاعر اليوم الى الوضوح ، وجماهيرية الشعر الحديث ومدى استعداد الشاعر للتبسيط وصولا الى جماهيرية أكثر وغيرها من الموضوعات التي أضفت على الامسية مناخا غير نمطي وغير مكرر. .وقد حضر الامسية التي أقيمت على قاعة النادي الثقافي الرياضي الاشوري في مدينة فيرفيلد، نخبة من وجوه الثقافة والفن والادب من العراقيين والعرب ، ومنهم الشاعراللبناني الكبير وديع سعاده والشاعر العراقي عباس بوسكاني والدكتوراحمد الربيعي والاديب حسن ناصروالصحفية أشواق الجابر والفنان التشكيلي عباس المخرب والسيد مدحت الباز والفنانة العراقية كارميلان وعائلة الشاعر مسلم الطعان والفنان التشكيلي وميض محمد جواد وأخرون، وقد أضفت الاعلامية المتألقة ماركو على الامسية طعما ونكهة متميّزتين من خلال تقديمها لفقرات الامسية بصوت عذب وبحميمية لافتة للنظر . وقد دارت كاميرة المخرج التلفزيوني الفنان العراقي صباح فنجان بحرفة وجمالية عالية لترصد فقرات برنامج الامسية بشكل شفاف ومثير، اثمر عنها " سي دي" مميز ليؤرشف هذه الامسية بنجاح كبير.
ومن الجدير ذكره ان الشاعر وديع شامخ قد أصدر مجموعتين شعريتين الاولى ( سائراً بتمائمي صوب العرش) عام 1995 عن دار الحكمة بجامعة البصرة والثانية ( دفتر الماء ) عام 2000 عن دار المدى والثالثة بعنوان " مايقوله التاج للهدهد عن دار التكوين، دمشق 2008 . وخلال إقامته في العاصمة الاردنية عمان صدر له كتابان في حقل التاريخ عن دار الاهلية للنشر والتوزيع الاول عن الامبراطورية العثمانية من التأسيس الى السقوط عام 2003 والاخر ( تاريخ الاندلس من الفتح الاسلامي حتى سقوط الخلافة في قرطبة )، وللشاعر عدة مخطوطات تنتظر النشر مثل ( تحت بيت العنكبوت ) ( ومراتب الوهم ) و ( كيف أرسم حلما في دائرة الرأس ) أضافة الى راوية مخطوطة بعنوان ( العودة الى البيت ) ومجموعة من الحوارات والمقالات في حقلي الادب والسياسة التي تؤكد على عمق ثقافته وتفاعله مع المجتمع .