يحق لي أن أكتب عن حيدر الياسري بوصفه حالة خاصة في الكاريكاتور العربي. فالشخوص التي يتناولها الياسري تخلق حالة بصرية متفردة في طرح أسئلة تتعلق بالشكل. و هو في ذلك يعتمد على أهم عوامل نجاح العمل الفني. أو إن صحت التسمية اهتمامه بالوعاء الفني الحامل للفكرة التي تخرج من حيز عقله إلى ريشتة البديعة. إذن خطوط وإيحاءات ودلالات حسيّة يخطها الياسري على الورق كواحة بصرية تلعب فيها الحركة دوراً بارزاً في تجسيد الفكرة. ويأتي الدمج المجسّد بقوة الخطوط وتماسكها لتجذب القارئ و تلفت نظره إلى الرسم قبل الفكرة على نحو يجعل الرسم الكاريكاتوري أكثر جاذبية وتبايناً، وهو أمر يمنح الرسام حيدر مساحة حرية أكبر في تنويع الخطوط المبالغ فيها رغم المساحة المحددة. ونجاح اللوحة الفنية يظهر جلياً في دراسته الإخراجية الحقيقية لعناصر العمل وتفاصيله . فالمتابع الحقيقي لأعمال الياسري يجد هذا الانسجام والتكامل ما بين الشكل والفكرة في توظيف الأدوات والتوزيع الأكاديمي لمفردات العمل الفني. وأعتقد أن توزيع العناصر في الرسم الكاريكاتوري لا يختلف كثيراً عن توزيعها في المشهد الدرامي، وهذه قضية جوهرية في جمالية المشهد وتأثيره النفسي والروحي على المتلقي، وتخدم الغرض في إيصال المضمون المتأصل مع الحدث.
ولابد من التنبيه أيضاً إلى قضية الانفعالات المرافقة للحركة والتكوين لتحقيق معادلة النجاح المرتبطة بالشكل والمضمون، وهذه خصوصية تضاف للفنان في تحقيق المعادلة المذكورة. ولن نبتعد كثيراً عن الواقع الفني العراقي، فقد ذكر "صلاح زينل" في صحيفة (الصباح) العراقية تاريخ 3/6/2007 أنّ كبار مصوري الأفلام العالميين يؤكدون قيمة الشكل في اختيار المنظر بأبهى صورة. ويرى أن العديد من الفنانين وخاصة بعض رسامي الكاريكاتور لايهتمون كثيراً بالشكل _ شكل اللوحة الفنية بنيوياً _ الذي يشدّ المشاهد نحو هذا النتاج الفني من أول وهلة . وبهذا، فان الفنان ـ وربما لاهتمامه الكبير بالفكرة ـ ينسى أو يتناسى أن للمشاهد كل الحق في أن يرى رسماً جميلاً يحتوي فكرة أجمل. واستشهدَ بقول الفنان العراقي الراحل "حافظ الدروبي" لافرق عندي بين الصورة الفوتوغرافية واللوحة الفنية إلا بقدر ماتشدني إليها “، أي أن قوة الشدّ واستلاب النظر من المشاهد هي القيمة الفنية التي يبحث عنها الفنان التشكيلي سواء أكان هذا الفنان مصوراً فوتوغرافياً أم مصوراً يدوياً "رساما “. وبالنسبة للحالات الخاصة المتجسدة في رسم الوجوه بتفاصيلها الدقيقة، نقول بصراحة إنها تُشكّل بنية تشكيلية متفردة في عالم الفن ومدارسه. فهو يعكس تفاصيل الوجوه وجزئياتها، ويترجم أحاسيس الناس وتطلعاتهم، ويطوّع أدواته في منظور فني مختلف، جامعاً لرؤى فنية خلاقة في سياق تكوينات جمالية تستند إلى تفصيلات تندمج مع عنصر الفكرة وتشكل تجانساً جذاباً. وبينما يتجه بعض رسامي الكاريكاتور للتبسيط في رسم الخطوط وتكوين العمل، تحلق خطوط حيدر الياسري لتأخذنا في عوالم من التكامل البنيوي التشكيلي المستند إلى أساس معرفي وفهم عال لمصادر الإضاءة والتوزيع المنهجي لعناصر العمل وتفصيلاته. فالحركة في الكاريكاتور تشكل عاملاً هاماً وعنصراً من عناصر الجذب إلى الموضوع ولفت نظر القارئ على نحو يجعل الرسم أكثر جاذبية، مما يتيح للرسام الدخول في عالم المساحة البيضاء والعزف على وتر التنويع في الخطوط وحرية امتدادها. وثمّة من يعتقد أن الكاريكاتور هو مجموعة خطوط فقط، دون مراعاة حقيقية لسلامتها وخلق فوضى في تشريح العمل وتحطيم نسبه. وأخيراً يبقى الوعاء الفني في الكاريكاتور حالة روحية خالصة، وتنطبق عليها النظرية الفلسفية القائلة : التأمل أولاً ، ثم التعرف، ومن ثم الفهم. |