* في الوقت الذي يتردى فيه السماع، والتذوق الفني الجاد للكلاسيكيات، بما فيها سماع أم كلثوم، استعير عنوان كتابك وأسألك: »المقام العراقي... الى أين؟
ـ بالنسبة للغناء الكلاسيكي، وأم كلثوم تحديداً، هذا يعني انها تمثل تراثاً فردياً، شخصياً فيندثر او لا يندثر، هذا ممكن وجائز في الحالتين. اما تراث المقام العراقي فإنه تراث مجتمع، شعب، أمة، فالامر يختلف كثيراً والمفاهيم الاجتماعية في علم الفولكلور تحديداً، تقول: »التراث لا ينشأ ولا يموت من خلال الافراد مهما كانت قيمة الفرد الثقافية، لانه وليد الجماعة، ومتى ما انتهت هذه الجماعة، وهو امر نادر في التاريخ، ينتهي كل شيء معها.
إذاً، المقام العراقي تراث مجتمع او جماعي، اما من امثال المطربة أم كلثوم، فهو تراث فردي يخضع للتغيرات المباشرة في المجتمع. وبخصوص تراثها الكلاسيكي المقصود، او اقصد من خلال تعقيبك ان التراث الفردي او تراث أم كلثوم الشخصي، الكاتب والملحن والمؤدي كلهم أفراد معلومون في المجتمع ذلك يعني من جانب آخر، انه تراث عقلي. اما تراث المجتمع فالعكس تماماًن فالمؤلف والمؤدي والملحن هو المجتمع بأكمله، فهو تراث عفوي.
* يكاد يكون الابداع المقامي، او فن المقام، صنفاً موسيقيا وإنشادياً عراقيا صرفا غير متصل بموسيقات الشعوب العربية الاخرى. لماذا وما هو تعريفك لفن المقام وجوهره؟
ـ الحقيقة، المقام العراقي لمفردتين تعنيان بالحقيقة »التراث الموسيقي (الغناسيقي) العراقي« وتحديداً مركزه بغداد. هذا المعنى، يناظر تماما كما نقول القدود الحلبية في سوريا، البلدي المصري في مصر، الصوت الخليجي في الخليج، المألوف التونسي في تونس... وغيرها. هذه كلها تسميات تعني ذلك البلد العربي وهذا، اما تفصيلات المقام العراقي فهي تختلف عن كل ما ذكرّنا وما ناظره من تسميات في البلدان العربية من تسميات. فالمقام العراقي، عمقه عربي إسلامي وتأثيراته آسيوية. فهذه التأثيرات خلقت من هذا التراث خصوصية أدائية تعبيرية تتميز عن كل التراث العربي "الغناسيقي".
* المطرب محمد عبد الرزاق القبانجي، يعتبر سيداً ورائداً في اتقان فن المقام. هل ساهمت تسجيلاته برأيك في ايصال هذا الفن؟ وهل خلّف أسساً متينة سار على هديها المؤدون اللاحقون ومن خلفه برأيك او سبقه؟
ـ في العام الماضي، صدر كتابي الثالث »الطريقة القندرجية« لمؤسسها رشيد القندرجي. وفي هذا الشهر تماما، هناك كتاب مناظر هو »الطريقة القبانجية« لمؤسسها محمد القبانجي. الاول صدر في بيروت عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر، والثاني يصدر حاليا عن نفس المؤسسة في بيروت. هذان الكتابان يتحدثان عن أبرز الطرق الغنائية المقامية في القرن العشرين تحديداً. وضحت فيهما سمات كل من الطريقتين وصفاتها ومميزاتها... الخ. وليست مقارنة بالمعنى الحقيقي ولكن توضيحاً لأسس كل طريقة. فالطريقة الكندرجية تعتبر اخر الطرق العراقية الصرف، النقية، الكلاسيك المقامي تماما، وذروة نضوجه في هذه الطريقة. اما الطريقة القبانجية فإنها اول الطرق التي تمردت وخرجت عن طوق المحلية من خلال الابداعات الجديدة التي جاء بها مؤسسها محمد القبانجي الذي يعتبر اعظم مطرب مقامي على مدى العصور. فقد اضاف وقدّم وأخر وغيّر بعض المواقع في عملية الشكل المقامي، ولكن حافظ وهو الشيء المهم، على التعبير المقامي المحلي (العراقي) وهنا تكمن قوة تجديداته وابداعاته، التي جاء بها من خلال طريقته التي بقيت سائدة حتى هذا اليوم. اعتقد ان الكتاب يفي تماما ببعض الاجوبة التي تهتم بمثل هذا الفصل بين الطريقين.
يمكننا ذكــر الآن بعض اتباع الطريقة الكندرجية مثل المطربين عبد القادر حسون، واحمد موسى، وشهاب الاعظمي، والحاج هاشم الرجب.
أما بعض اتباع الطريقة القبانجية فيوسف عمر، وعبد الرحمن خضر، وعبد الرحمن العزاوي... الخ.
* هل للمغنية حضور في غناء المقام، ومن من المغنيات العراقيات تعتبر أدائها، الاقرب والاكمل في الغناء المقامي؟
ـ كما تعلمين، صدر لي كتاب عام ٢٠٠٥ في بيروت ولنفس المؤسسة التي ذكرنا، »المقام العراق بأصوات النساء« كعادتي قسمت الكتاب الى بابين وكل باب فيه بعض الفصول. كفكرة لكتاب هي جديدة بالحقيقة وتناولتها الصحف. المرأة المغنية المقامية هناك دراما كثيرة عاشتها المرأة خلال القرون الماضية من حيث ابتعادها عن الساح الفنية قسراً. ولهذا السبب أكاد ان اكون مصيبا حينما قلت ان القـرن العشــرين يعتبر ولادة جديدة للمقام العراقي عموما، وعلى الاخص بالنسبة لتجربة المرأة العراقية في غناء المقام العراقي.
وهنا في بدايات القرن العشرين، بدأت دراما حقيقية اخرى للمرأة في هذا الخصوص. ولهذا الموضوع تشعباته يتحدث عن الكتاب بشكل تفصيلي. اختصاراً اخترت لكتابي وفي مراعاة للتسلسل الزمني سبع مغنيات مقاميات منذ بدايات القرن العشرين حتى هذا اليوم، كتبت عنهن بشكل يقترب الى التفصيل وإلقاء الضوء على نتاجاتهن المقامية. مع ذلك، اعتقد ان لكل واحدة منهن في مرحلتها الزمنية مميزات جيدة بحيث تميزت عن معاصراتها مثلا: مائدة نزهت تميزت عن سواها. سليمة مراد ايضا. زهور حسين التي تتمتع بقدرة تعبيرية.
* لو تضعنا في جو وبرنامج سهرتك في انشطة اماسي رمضانية في مسرح بابل لليلة، اليوم الثاني من مشاركتك؟
ـ العراقيون بصورة عامة في الوقت الحالي يعانون من اشكالات السفر والفيزا والدخول والخروج في اي مكان. هذا امر نعاني منه واثر على نشاطنا الفني وغير الفني في العالم. وهناك دعوات كثيرة اوروبية وغير اوروبية اعتذرت عنها لهذه الاسباب. في حفل بابل لم استطع استدعاء فرقتي الموسيقية كاملة، فاقتصرت على عازفين من بغداد وهما داخل احمد عازفا على آلة الجوزة وأديب الجافا عازفا على آلة الطبلة ووسام ايوب العزاوي عازفا على آلة rotnaS السانطور واضيف لنا عازف على آلة الرق من بيروت وهو سلمان بعلبكي.
كونــت فرقــتي من هــؤلاء الموســيقيين الاربعة »فرقــة الجــالغي البغــدادي« وهي التي اقيم الحفلــتين في مســرح بابل برفقتها، ليومي ٩ و.١٠
* ما هي فرقة »الجالغي« ولماذا الاسم؟
ـ اعتاد المؤدون السابقون للمقام العراقي ان ترافقهم فرقة موسيقية مختصها تكونت من هذه الآلات الاربع آنفة الذكر لتأدية المقامات برفقتها. والجالغي هي كلمة تركية تعني مجموعة »الملاهي« للأنس والسمر سأقدم مجموعة من المقامات والأغاني العراقية مثلا احب كثيرا ان ابتدأ حفلاتي بالقالب الموسيقي »emroF« »الفورم« السماعي، نهوند من تأليف منير بشير. والحفلة الليلة مهداة الى منير بشير. وسيكون هناك تأدية لمقامات من اغان تراثية مثل مقام »البنحكاه« ومقام »الدشت« ومقام »الجّمال«، وفاصل من الايقاعات العراقية ومقام »الأوج« وكذلك اشعار مع الابوذيات.