فريدة، أو، سيدة المقام العراقي، كما تحب أن يعرفها العالم، لأنها تعتبر نفسها مسؤولة عن تعريف العالم بالتراث العراقي عبر فنها، وعبر فرقة المقام العراقي التي أسستها منذ العام ،1989 لتكون امتداداً لفرقة التراث العراقي التي أسسها الراحل منير بشير، وعلى رأس فرقة فريدة زوجها المؤلف الموسيقي محمد كمر، وابنها عبداللطيف، وقد تم تفعيل دور الفرقة حينما انتقلت للحياة بهولندا منذ العام ،1997 وهناك مثلت العراق في عدد من المهرجانات والفعاليات بالدول الغربية والعربية، ونالت عدداً من الجوائز لعل آخرها تصنيف أسطوانتها السابعة “إشراقات” بين أفضل 10 أسطوانات بحسب ما أوردته مجلة (SONGLINES) الإنجليزية المتخصصة في الموسيقا العام ،2007 وتم اختيار فرقتها ضمن أفضل 10 فرق عالمية بمعرض وملتقى “موسيقا العالم”. التقيت فريدة في هذا الحوار لتتحدث عن المقام العراقي، ودور فنها في الدفاع عن قضية بلدها.
في البداية نود أن نتعرف إلى أبرز المحطات في حياتك الفنية بخاصة تلك التي أسهمت في شهرتك الواسعة اليوم؟
- بالطبع كانت أول محطة ببلدي، العراق، عندما شاركت بمهرجانات الفن العام ،1985 وقد كانت المرة الأولى التي أقدم فيها مقاماً، وبخاصة أنها كانت على مسرح الرشيد ببغداد، ولم أكن قد اعتليته من قبل، وبالتالي تعرف جمهور العراق إلى صوتي ونال استحسانهم.
ولكنك برغم ذلك اضطررت للخروج من العراق عام ،1996 فهل ساهم هذا الخروج في تحقيق المزيد من الشهرة لك؟
- خرجت تحت ضراوة الحصار الذي كان مفروضاً على العراق آنذاك، ولأن المستوى الفني صار رديئاً، فما كان هناك اهتمام كبير بجانب التراث، ولذلك صار صعباً عليّ كفنانة أن أطور نفسي، وأعمل على الانتشار، ولذلك فقد كان الهدف الأول من خروجي هو نشر التراث، والحفاظ عليه، وكان ذلك بدعوة من مؤسسة “دار ثقافات العالم” التي تعنى بشؤون التراث، ومؤسسة “راز” التي قدمت فيها عدداً من الحفلات، فانفتحت لي آفاق أوسع لنشر التراث، وبوجه عام فقد كان تواجدي في هولندا فاتحة خير لي، وللتراث العراقي الذي أغنيه. ففي روتردام وبالتحديد في معرض وملتقى موسيقا العالم، الذي يعادل مهرجان “كان” السينمائي، تم اختيار الفرقة ضمن أفضل 10 فرق عالمية اشتركت به العام ،2001 ثم أقيم المهرجان بأستراليا في السنة التالية ودعينا إليه، وهكذا فكلما اشتركنا بعدد أكبر من المهرجانات تعرفنا إلى جاليات أوروبية أكثر، وزاد احتكاكنا بالفرق العالمية والعربية، حتى ان مهرجان “الويهد” بأستراليا يضم 140 فرقة عالمية، ونسجل حضوراً مميزاً دائماً.
هل هذه المسيرة المميزة قد واكبتها دراسة؟
- التحقت بمعهد الدراسات الموسيقية (الكونسيرفتور) بالعراق، بداية من عام ،1985 وعلى مدى 6 سنوات حتى تخرجت وحصلت على دبلوم فني عال، وتم اختياري لأكون معيدة فيه، وهو ما حرصت عليه حتى خرجت من العراق.
قيثارة دجلة، صوت الرافدين، أم كلثوم العراق، سيدة المقام العراقي، كلها ألقاب أطلقت عليك. أيها أقرب منك.. ولماذا؟
- مع اعتزازي بها جميعاً، وبكون لقب أم كلثوم العراق أطلقته عليّ “الليموند” فإن لقب سيدة المقام العراقي له منزلة خاصة لديّ، لأنني أحمل العراق الى العالم حتى وإن كنت قد خرجت منه، فإننا نحمله في دمنا، وأملنا في الرجوع للوطن كبير جداً، وما نقدمه في حفلاتنا نحاول جعل اسم العراق عالياً، لأنه المتنفس الوحيد للعراقيين ولنا، ولإعادة أمجادنا.
وهذا يقودنا لدور الفن في معركة العراق الحالية.. كيف ترينه؟
- يحزنني بداية بشكل كبير جداً ما يحدث للعراق اليوم، وكل المبدعين الذين خرجوا عنه مفعمين بالحيوية والنشاط، أما فرقة “المقام العراقي”، ومن خلال ما نقدمه من فن أصيل فإننا نهدف لتعريف العالم بأكبر قدر من التراث العراقي من خلال ما أقدمه من فن أصيل، ولذلك فأحمل اسم بلدي ووحدته من الشمال للجنوب، ومن أكراد لعرب وتركمان، وأقول وأغني بأننا عراقيون وهذا يكفينا، وبخاصة في الحفلات الكبرى من مثل عيد ملكة هولندا، وكان قد صدر لي C.D تراثي قبلها ولأنهم يهتمون بتراث الشعوب الأخرى، ويدعون من يمثلها أمام الملكة في ذلك العيد، فقد كان حضوري أمامها، وغنيت المقامات، وقد أبدت إعجابها بها، وشعرت بأنني أتحدث عن وجه العراق، وأحمل اسمه.
ما رأيك في الساحة الغنائية اليوم وما تحتويه وما يجري فيها؟
- أذكر أننا حينما فتحنا أعيننا في العراق، ووعينا ما يحدث من حولنا سمعنا الألحان والأغاني المصرية لأم كلثوم، وعبدالوهاب، وفي عمر الشباب كان عبدالحليم حافظ فارس أحلامنا، ولكن أغاني اليوم صارت تصدمنا سواء الصادرة من مصر أو من غيرها، فحينما أستمع لهذه الأغاني أتعب، وأنتظر أن أفهم منها شيئاً دون جدوى، فلا هي بالأجنبية، ولا هي بالتي تحترم تقاليدنا، ولكنها تشوه ذوقنا العام، والمؤسسات الإعلامية، والفضائيات صارت مطالبة بأن تقلل من هذه الأغاني وتجعل حصة أكبر للغناء الأصيل الذي تقوم عليه نخبة من المهتمين بالتراث العربي.
وماذا عن رحلتك مع المقامات العراقية ودورك في الحفاظ عليها اليوم؟
- استمعت للمقامات من “محمد القبنجي” والفنان الراحل يوسف عمر، وناظم الغزالي، وكنت أتعمد أن أشبع أذني من قراء مقامات كثيرين قدماء، وكل شيء أصيل عظيم ليس بالسهل تعلمه، ولذلك فقد بدأت بتعلم الصعب وبجهد عال، وبتدريب، وخرجت من أسلوب المقام القديم، وكان قراء المقام لا يستوعبون أن المرأة تستطيع أداءه، وأنه يحتاج لجهد رجالي، وهؤلاء الذين لم يكونوا بدارسين استطاعوا ترك موروثاً جيداً، ولكن التطور الذي صاحب افتتاح المعاهد الموسيقية، وبالتالي تطور الأفكار ساهم في أن أصبح سيدة المقام الشرقي كما يطلق عليّ الجمهور.
وماذا عن حبك لغناء القصائد العربية بخاصة الحديث منها؟
- المقام العراقي يحتاج الى أشعار رصينة بحيث تكون قوية جداً، وليس للأشعار المتداولة أو المطروقة، ولذلك أحب أن أنتقي أبياتاً، وسطوراً شعرية محبوكة، وبخاصة في مهرجان برلين حيث تغنيت بقصائد لأدونيس، ومحمود درويش، وأمل الجبوري، وكانت تجربته جميلة على الرغم من صعوبتها، بخاصة مع وجود شعر فلسفي لأدونيس، وكوني أغني للمرة الأولى لشاعر بقامة محمود درويش، وقد سجلنا هذه الأشعار على C.D ونجح، وشكرنا درويش وقال إنه لم يكن ينتظر نجاحاً لغنائي قصيدته “شمس العراق” بهذه الصور.
وخصامك مع الفضائيات العربية التي شكوت منها مرات عدة هل لا يزال مستمراً حتى الآن؟
- هذا حدث في مرحلة عتبت فيها على الفضائيات العربية، اليوم أعيش بهولندا، والمهرجانات التي تقيمها الدول العربية قليلة، أو مع قلة المقدم من التراث والأصالة يتم تدارك الأمر، وتتحرك الأمور، ومع اعتقادي بوجوب اهتمم الفضائيات فأنا مقتنعة بأن الأمر يحتاج أسلوباً حضارياً أكثر وأنا متفائلة بالمستقبل فيما يخص هذا الأمر.
وما أبرز أمنياتك المستقبلية؟
- أن أعود بفرقتي لبلدي - العراق، ويتحقق بناؤه، وأن نستطيع تقديم ما قدمناه خارجه فيه.
الأصوات الجديدة على الساحة كثيرة، من تفضلين الاستماع إليه؟
- صوت شيرين عبدالوهاب، وهناك أصوات عراقية جميلة على رأسها كاظم الساهر، وماجد المهندس من الأصوات الدافئة الحساسة وله مستقبل رائع. |