في اليوم الاخير لأسبوع المدى الثقافي السادس تفاعل الجمهور مع الفعاليات الى درجة قل نظيرها في المهرجانات والكرنفالات المقامة مؤخراً فقد صفق الحضور للوطن عندما ذكر اسمه.. وصفقوا للشعر عندما ذكرت اشعار مظفر النواب الفواحة بالغربة والحنين.. وصفقوا للطرب الاصيل في تكريم الفنانة المبدعة عفيفة اسكندر وتمايلت اركان المسرح الوطني شجناً مع اغاني التراث العابقة بالنغم الخالد. فيلم معشوقة بغداد لم يكن العشق بين بغداد والمطربة عفيفة اسكندر من طرف واحد.. بل كان حباً متبادلاً دافئاً ناعماً صافياً كصفاء نهر دجلة.. يتحدث الفيلم عن شخصية المطربة عفيفة اسكندر تارة بلسانها وتارة اخرى بلسان بعض من تعايش معها من الفنانين ومن ابرزهم عازف الطبلة الفنان سامي عبد الاحد. يبدأ الفلم بلقطة جميلة عن نهر دجلة الخير.. النهر الخالد.. ومنظر لشقة الفنانة عفيفة اسكندر الواقعة على شارع ابي نؤاس.. وتحدث عازف الكمان المشهور (آنذاك) والذي رافق المطربة في جميع حفلاتها سامي عبد الاحد في الفلم قائلاً: ـ في مطلع القرن العشرين جاءت المطربة عفيفة اسكندر وهي صغيرة من حلب لتعيش في أربيل.. وهي صغيرة السن تزوجت من عازف كمان مشهور اخذت عنه اسمه (اسكندر).. عاشت الفنانة متنقلة بين الموصل وأربيل. ثم تتحدث المطربة في الفيلم عن بدايات حياتها الفنية وكيف دخلت ساحة الفن الواسعة المليئة بالصراعات والمنافسات فتقول: ـ في أربيل كان عمري 8 سنوات حضرت ذات يوم حفلة كانت المطربة فيها غائبة فتقدم مني منظم الحفل وسألني ان كنت استطيع ان احل محلها فاجبت بالايجاب وهكذا غنيت لأول مرة على خشبة المسرح وصفق لي الجمهور طويلاً. في بداية عمل الاذاعة العراقية تقول الفنانة قدمت طلباً للعمل في الاذاعة (عريضة) فكان الرد من الاذاعة انهم لا يريدون اطفالاً (زعاطيط)!! وكان في ذلك الوقت قد لمع نجم العديد من المطربين في الاذاعة امثال صديقة الملاية ورشيد القندرجي قارئ المقام المشهور. كنت اتحدث اللهجة الموصلية إلاّ أن المطربة سليمة مراد علمتني كيف انطق اللهجة البغدادية وبذا صرت اغني الاغنية البغدادية مع وجود مطربين آخرين مشهورين.. وقد عشقت الاغنية البغدادية.. والمنولوجست ايضاً. ويتحدث الفيلم على لسان احد الكتاب القدامى كيف ان اسم عفيفة اسكندر لمع بسرعة وبشكل كبير ويعود الفضل في ذلك الى جمالها الأخاذ وموهبتها القيمة ونطقها السليم لكلمات الاغاني وخاصة الاشعار ومنها اغنية من تأليف البهاء زهير.. يا عاقد الحاجبين على الجبين اللجين ان كنت تقصد قتلي قتلتني مرتين وكان للمطربة صالون ادبي كبير يحضره ادباء ومثقفون وشعراء تلك الحقبة الزمنية ومنهم حقي الشبلي، حسين مردان، مصطفى جواد، والشاعر الكبير محمد مهدي الجواهري. يعود الى الشاشة عازف الطبلة سامي عبد الاحد.. ليتحدث عن ذكرياته مع الفنانة المبدعة عفيفة اسكندر فيقول: ـ في حفل خطوبة احد وجهاء بغداد كانت المطربة تغني فحضر الحفل في بغداد الوصي عبد الاله والملك فيصل الثاني وكان المطرب الكبير ناظم الغزالي حاضراً.. وقد غنّت المطربة في حفل خطوبة الملك فيصل الثاني في اسطنبول اغنية (جاني الحلو جاني) عام 1956.. كذلك غنّت في بغداد يوم تتويج الملك فيصل الثاني ملكاً على العراق عام 1952. بعد ذلك تتحدث الفنانة عفيفة اسكندر فتقول: ـ كان يحضر الى بيتنا رجال السياسة والادب وكان بيتنا مفتوحاً طيلة 24 ساعة. وما زال مفتوحاً.. انا اول مطربة غنت في اول وصلة غنائية عند افتتاح تلفزيون بغداد عام 1956، وبحضور الملك فيصل الثاني ومن بعدي غنى المطرب الكبير ناظم الغزالي. وكانت اغنية (هاي هم قسمة وعد.. جوز منهم) ويصور لنا الفلم بعضاً من اغاني المطربة ومنها (قيل لي قد تبدلا) و (على عنادك لاحبهم واحرك افادك). ثم تواصل المطربة حديثها عبر الفيلم فتقول: ـ اشتغلت فلمين روائيين الاول ـ القاهرة بغداد ـ اخراج احمد بدرخان وتمثيل العديد من الممثلين المشهورين آنذاك منهم مديحة يسري وبشاره واكيم.. الفيلم الثاني كان ـ ليلى في العراق ـ عرض 4 اسابيع متتالية، في سينمات بغداد ومن الممثلين العراقيين الذين شاركوا في الفلم الفنان العراقي المرحوم جعفر السعدي، والمطربة السورية ـ نورهان ـ والممثل الكوميدي العراقي عبد الله العزاوي. ثم يعود عازف الطبلة سامي عبد الاحد الى الشاشة ليحدثنا قائلا: في منتصف السبعينيات اعتزلت الفنانة الكبيرة وهي في اوج عطائها الفني وشهرتها الواسعة، كما اعتزلت الظهور عبر وسائل الاعلام المختلفة، عشقها الكثيرون وتناول الوسط الفني قصصاً وحكايات عن حياتها الخاصة.. قال عنها مؤلف الاغاني المرحوم عبد الكريم العلاف قائلا: ـ اودعت يد القدر فيها اوصافاً بدنية وتحلت في جمال ساحر من صنع الخلاق لا من صنع الحلاق.. ارتباطها بمدينة بغداد يفوق الوصف.. وينتهي الفلم على نغم اغنيتها (هزني الحنين لهلي والشوك بي زاد ـ هيا بنا يا ربع نمشي بدرب بغداد).
عن الفيلم يحدثنا مخرجه فريد شهاب فيقول: ـ جرى تصوير الفيلم في شقة الفنانة عفيفة اسكندر وفي بعض مناطق بغداد وضفاف دجلة.. ورجعنا الى ارشيف الافلام التي شاركت بها وهي فيلمان الاول القاهرة بغداد والثاني ليلى في العراق.. وتمت العملية الاخراجية المكملة من مونتاج وصوت في استوديوهات (مؤسسة المدى للثقافة والفنون) وعن شخصية المطربة المشهورة يقول المخرج: ـ انها تمتلك شخصية مرحة لم يؤثر عليها المرض الذي ألم بها وجعلها مقعدة تسير على عجلات الكرسي المتحرك.. تمتلك عنفوان الشباب برغم سنوات العمر.. وعن تاريخ انتاج الفيلم وطوله يقول المخرج: ـ طول الفيلم (15) دقيقة وتاريخ انتاجه 2008.
عفيفة اسكندر من مواليد محافظة الموصل عام 1921، لم تحصل على الشهادة الابتدائية لأنها تركت الدراسة وهي في المرحلة الخامسة الابتدائية.. تقول الفنانة عفيفة: ـ انا من عائلة فنية.. والدتي كانت تعزف العود والقانون وقد تعلمت منها العزف على العود.. كان اسم امي مريم وكانت تمتلك صوتاً جميلاً حنوناً. *ما عدد الاغاني التي قدمتها؟ ـ انها الف اغنية. * من هم ابرز الملحنين الذين لحنوا لك؟ ـ هم كثر اذكر منهم احمد الخليل، ناظم نعيم، خزعل مهدي. *هل تم تكريمك طيلة هذه المدة؟ ـ تم تكريمي في اميركا عام 1952، كأحسن مطربة عراقية متواصلة مع الفن، وعلى مستوى العراق فان مؤسسة المدى للثقافة والفنون اول مؤسسة عراقية تكرمني وبهذه المناسبة اشكر الاستاذ فخري كريم رئيس مؤسسة المدى على هذا التكريم وهذه الرعاية. *فيلم معشوقة بغداد يؤكد على انك تعشقين بغداد .. فهل غادرتها مكرهة؟ ـ تركت الوطن لمدة (10) سنوات لظروف خاصة. *من هم احب الادباء الى قلبك في تلك الفترة؟ ـ المرحوم علي الوردي كان أقرب الادباء والكتاب الى قلبي الى جانب المرحوم حقي الشبلي. *انتِ تعانين المرض.. ما هو مرضك؟ ـ أعاني من شلل في ساقي اليمنى وأريد الذهاب الى امريكا للعلاج.. وبذا انا معوقة كما ترين اسير على الكرسي المتحرك.
|