وكنت اذا يممت ارضا بعيدة سريت فكنت السر والليل كاتمه
لشعرالمتنبى قراءات متعددة . منها قراءة فى جماليه القصيدة . ومنها قراءة فى المضامين الظاهرة والخفيــــــة , منها قراءة تاريخية سياسية ومعرفيه , ومنها ايضا قراءات بصرية , وهذا شأن كل شاعر عظيم بوسعه ان يخترق كل العصور ليظل حاضرا فى وجدان الامة , ويصبح رسولها الى الامم الاخرى . فلا عجب اذن ان نجده يتجلى بقراءات متنوعه لاتقــف عند حدود الكلمه , بل تتعداها الى مجال التصوير المرئى .
ولد المتنبى عام (303-354) هـ فى الكوفه . ونشأ فى باديه السماوة فى الفرات الاوسط , شاعرا امتلك ناصيه القول الشعري . ورجلا نازعه طموحه لارتقاء اعلى المراتب السياسيه والاجتماعيه . كان عصرا مشوبا بالفتن والاضطرابات والقلق , وكان عصر انقسامات , كما كان عصرا تموج فيه الثقافات , وتتداخل فيه مصادر المعرفه وتتنوع , فهو مشبع بالحيوية الفكريه من جانب , وبالدسائس والفتن من جاني اخر .
شعره يكشف عن حيرة نفس معذبه و فكر متمرد جعلا منه شخصيه ملتبسه , متلفعه بالغازها ومتفرده بغرابتها , ولعل هذه الاجواء الغريبه والمريبه التى احاطت بالمتنبى وكانت سر تفرده , هى التي حركت مخيله الفنان رافع الناصري في استلهامه من شخصيه الشاعر وشعره . فقراءة الناصري تنزع نحو تصوير الاجواء الغامضه النابعه من صميم سواد الكوفه , ومن نفس المتنبي المكتنــزة باسرارها , ومن ثنايا هذا الجانب الملتبــــس للحقـيــقـة .
فهـــو لم يسمـــع من شعر المتنبي صليل السيوف , ولم ير نزيف الدمــــاء وتراشق الغبار من تحت حوافر الخيــــــل , بل آ ثر ان يلمـــــس الوجه الخفي للصراع , ويسلط الضياء على الشىء ونقيضــــــه , فهي اذن قراءة بصريه لشعرية الشاعر , وقراءة تلمست طريقها باتباع معارج الاحاســيس التى قادتــــــه نحو افاق معرفه لا تخضع الا ليقينهـــــا . وهكذا جعل من نصوص القصائد وثائق تتخفى فى ظلال الصورة فتكشف عن بعض ملامحها وتحجب الجزء الاكبر منها , فكانــــــه يبحث عما كان على مدى العصور الشغل الشاغل لقراء المتنبي .
مى مظفـــر
|