انسجاما مع القفزات السريعة للحضارة بجوانبها المتعددة وذهول الفنان امام لغات التعبير ومفرداتها التي باتت بحاجة الى خامات جديدة تواكب هذا الاندفاع المدهش باتجاه المستقبل حتى ولو كانت بعيدة عن حاجة المتلقي الذي ابعد بامعان في بعض طرائق التعبير الفني
..برزت تجارب عديدة لاستخدام الفضاء ومعالجة محتوياته لتقدم عملا فنيا بمستوى طموح الفنان وقدراته ولا ننكر ان هناك الكثير من التجارب التي خرجت من الصالات لتؤسس فضاءا حرا يخاطب الجميع ونجحت في كونها لغة جديدة تختلف عما عهدناه من عروض الصالات التشكيلية وبرزت اسماء كبيرة في هذا المجال ابتداءا من هنري مور ودالي وبيكاسو وليس انتهاءا ببول كلي وبتر براون ومجموعة شباب القرية التي تقدم بين الفترة والاخرى اعمال جديرة بالاحترام في منهاتن نيويورك
ولكن كان للاسفاف نصيب كبير في تجارب اخرى اثارت مشاعر الكثير من المهتمين بحقوق الافراد واحترام المساحة العامة والفضاءات المشتركة للاخرين حيث يرى البعض وهم محقون تماما بان من يريد ان يخاطبهم يتوجب عليه عدم الاعتداء فنيا وعمليا على فضاءاتهم التي يريدونها كما هي امنة من العبث..وقد كثرت المحاولات التي تنسب افتراءا على عالم التشكيل والتشكيل منها براء..فرأينا كيف أن البعض لاهم له سوى البحث عن خامات وكانها غاية بحد ذاتها وليس أن الموضوع يفرض على الفنان أدوات وخامات معينة ليكون التعبير اقرب واصدق واكثر تأثيرا كما يفترض أن يكون ..
وخاصة اذا علمنا أن عوالم التجريب من الفضفاضية والسعة بحيث يختلط فيها الدخيل بالاصيل الى حد كبير فمعالجة المساحة وبناء اللوحة او العمل الفني بحاجة الى موهبة وخبرة ومران اضافة الى متابعة الجديد ليس في عالم الفن وحسب بل في كل مجالات الحياة اذا اراد الفنان ان ينتج عملا يحترم عقلية وثقافة المتلقي .. مادفعني للكتابة عن هذا الموضوع هو ما رأيته من اسفاف في بعض ما يسمى بالتجارب الجديدة التي تبناها شباب اعرف أن بعضهم لايمتلك الحد الادنى من الحرفية المهنية للتشكيل ..بل أن استغراقهم في البحث عن الخامات دعاهم الى أن يقفزوا قفزات غير مدروسة على حقائق التشكيل الكبرى وسمعت من بعضهم تسقيطا لاعلام كبار حفروا اسماءهم بذاكرتنا بصبر وعلم وريادة لاتنكر ابدا وللان حقيقة لااعرف كنه هذا الجنون بالبحث عن خامات بغض النظر عن الموضوع الشكلي والفني للعمل.. سوى اني ابرره صراحة بانه عجز عن شدنا لعمل حقيقي يمتلك مواصفات الخلق والابداع ..فاذا لم تعجبنا اعمالهم التجريبية كما يزعمون ( والتجريب منها براء) فليس اسهل من أن نوصف بالديناصورات وقاصري الفهم واذا تسامحوا معنا سيصفونا بالاكاديميين وكأن الاكاديمية امرا هينا في نظرهم ..
وكلنا يعرف خلال العقدين او الثلاثة عقود الاخيرة كم ظهرت من تيارات او محاولات فردية باسماء مختلفة هنا في الولايات المتحدة على الاقل ولم تترك سوى اسماء متناثرة في ارشيف الصحافة فقط ولكن صداها في الشرق الاوسط اكبر مما تخيل اصحابها في احلامهم الوردية وتلك الغرائب التي مازالت مستمرة للان .. تجارب فاشلة لايابه بها هنا واهتمام كبير خارج عن المعقول هناك ..وينطبق هذا القول على الكثير من الارهاصات الفاشلة في كل المجالات حيث تأخذ صدى واسعا خارج الولايات المتحدة رغم فشلها الذريع هنا في امريكا.. العمل الفني وأي عمل يستمد جدته وحداثته من ثقافة الفنان وحرفيته وليس من لوثة تحاول ايهامنا بشئ ذا قيمة تذكر..والتشكيل العراقي متمكن لدرجة سهولة الفرز بين حقيقية العطاء وديمومتة وبين الطارئ الذي لايمكث في الارض الا كما يمكث الفايروس في ماكنة الحياة العملاقة ..التشكيل العراقي من القوة والتمكن بفضل جهود المبدعين الحقيقيين من الرواد والشباب بحيث اضحى من علامات الابداع العالمي المهمة ..واذكر عند زيارتي لصديقي الفنان رسول المرشدي أثناء دراسته في فرجينيا.. رأيت مدى الاهتمام الذي حظيت به تجاربه باستخراج لغة مشتركة للتزاوج ما بين الفن العراقي القديم والفن الامريكي المعاصر ..مما اتاح للمتلقي المثقف أن يجد متعة وثقافة رصينة تستمد مقوماتها من جهد اصيل في عملية الخلق والابداع لدى الفنان التشكيلي العراقي..وهناك الكثير من مبدعي العراق الذين اختزنتهم ذاكرة الابداع كرموز لا نهاية لاشراقاتهم الفنية واذا اردت ذكر اسمائهم فانا بحاجة الى موسوعة لتفي بمجرد الاشارة الى تلك الاسماء الرائعة..
|