إذا كان صحيحاً أن طريقة صناعة الأغنية تغيّرت بحيث حلت أولويات أخرى مثل «الموضة» محل الأولويات المعروفة المتعلقة بالكلام واللحن، فإن الصحيح أيضاً هو أن الأولويات الجديدة هذه لم تأخذ بألباب نجوم الغناء ذوي الأصوات الجيدة أو العادية فقط، بل أخذت بألباب المغنين والمغنيات ذوي القدرة الاستثنائية بمعنى أن «الموضة» سيطرت على طريقة تفكير المواهب الغنائية الكبيرة ولم تنحصر بهواة «النوع».
ماذا يعني هذا الكلام؟ يعني ببساطة أن الكلام واللحن في أي أغنية انحدرا من المقام الأول الى المقام الثاني. أي ان نجم الغناء يختار الأغنية الجديدة التي ينوي تسجيلها بناء على مدى ملاءمتها لمزاج عام منتشر لدى أغلب الجمهور وأغلب رسائل الكلام وأغلب العقلية الانتاجية وأغلب الفنانين، لا على مدى ارتباطها بفكرة شعرية أو لحنية جديدة، وتالياً فإن تفكير نجوم الغناء ذهب أبعد في «الاستقالة» من التجديد أو من الالتزام بقدرات الصوت، متجهاً الى مسايرة ما نجح لدى الجمهور من ألوان غنائية أو أنماط ادائية أو تقليعات انتاجية شائعة، والنسج على منوالها، بناء على تجارب آخرين نجحت في هذا اللون أو النمط أو الشكل الانتاجي، من دون إقامة أي اعتبار لمتطلبات صوت النجم نفسه وامكاناته الأدائية ومساحته الأصلية.
لقد شاع نوع معين من الأغاني بسبب انكباب جميع النجوم تقريباً، عليه. هناك أغنية شبه واحدة معروضة على الجميع، بل مطلوبة من الجميع، بحيث تحوّل الملحنون الى موقعي معاملات، «فالمعاملة» جاهزة ومعروفة ولا ينقصها الا التوقيع. والتوقيع جاهز، والمشترون كثر، ويفضلون ما جرّبه الآخرون وثبت شيوعه وانتشاره، اكثر مما يفضلون البحث عما يرضي الذات العليا في الفنان، انها استقالة الذات العليا لدى الفنانين أمام الذات الدنيا، أي التي تقبل بما لا تقبل به الذائقة انقدية الابداعية. والنتيجة انسياق خلف السهل، لا السهل الممتنع، بل السهل المباح!