لقد توسعت دائرة التسويق الاعلامي والفني بهذا الاتجاه، فهناك برامج تبثها القنوات البريطانية على سبيل المثال لا الحصر تناقش هذه الظاهرة، فلقد جعل التركيز الاعلامي بشان الرشاقة بعض النساء يحسون بالحراجة لكون اجسامهم مكتنزة وبالتالي محرجة، فكان ان ظهر برنامج (كيف ابدو جميلة وانا عارية) وهو يحاول ان يواسي هؤلاء النسوة وهن بمراحل عمرية مختلفة من خلال اختيار الازياء التي تقلل قدر الامكان الايحاء بهذا الاكتناز في مناطق الصدر والارداف. ويحيلني هذا الامر الى ملاحظة ابداها النحات محمد غني حكمت حول جسد المراة في برنامج بث من تلفزيون العراق قبل سنين عده. حين اجاب عن رؤيته لجسد المراة فقال حينها انه يعتبر جسد الرجل اكثر جمالا وتناسقا لغياب البروزات الغير جمالية في جسده.
قد يجعلنا ذلك نعتقد ان الرشاقة ليست معيارا فنيا بقدر ما هو معيار تسويقي تفرضه طبيعة المجتمعات الغربية. ولكن لا يجب ان ننسى حركة المساواة بين الرجل والمراة والتي اتخذت في هذه المجتمعات طابعا جديدا وهو ظاهرة الفتاة الولد، وهو توجه تتبناه بعض فتيات هذه المجتمعات للتشبه بالفتيان مظهرا وسلوكا، وقد يكون لهذا دور مساهم في تكريس المظهر الانثوي الرشيق. مع ذلك لايمكن ان ننظر الى معيار الرشاقة في المجتمع الغربي المعاصرة من خلال الجسد المفضل لدى مصممي الازياء، لان هذا لا يعكس كل الصورة، لان من غير المستبعد ان يكون القصد في عروض الازياء ان يكون التركيز على نعومة واناقة المظهر الانثوي مع تقليل الايحاء الحسي قدر الامكان. يتوازى ذلك مع تغير فلسفة تصميم الازياء من اكساء الجسد الانثوي بما يليق الى كشف الجسد الانثوي بما يليق.
هذا من ناحية ومن ناحية اخرى فان هناك توجه يكاد يمثل صرعة لدى بعض النساء في المجتمع الغربي لحقن مادة البوتوكس لغرض تكبير حجم الثدي باعتباره من ابرز عناصر الجمال الحسي لدى المراة، كما ان هناك توجها اقل نحو حقن منطقة الارداف لنفس الغرض. وهناك توجه مواز لمواجهة تلك النظرة السلبية للجسد الممتليء من خلال تخصيص محلات خاصة للازياء النسائية يكتب على لافتاتها مثلا عبارة (كبيرة وجميله).
من خلال هذا كله لا يمكن ان ننظر الى فكرة الرشاقة في المجتمع الغربي نظرة موازية لنظرة الاكتناز في الكثير من الحضارات وتجلياتها الفنية، لان الغرب مجتمع متغير بطبعه ولا نستبعد ان تتغير معايير الجمال بتغير متطلبات الحياة المتسارعة الوتيرة التي تعيشها هذه المجتمعات. والتصور الحالي نحو الجسد المكتنز يتركز في كونه ظاهرة غير اقتصادية ومرشحة لان تكون ذات عواقب صحية، لها عواقبها المادية والانتاجية لدى هذه المجتمعات.
لقد ركزت متابعتي النقدية هذه على المستوى الاول في التعامل مع الجسد الانثوي في القماشة من عصر النهضة حتى بداية القرن العشرين، ولا يمكن الادعاء بان هذه المتابعة قصدت التغطية على مجمل عناصر الموضوع ولكنها حاولت ان تؤشر ابرز المراحل كما ارى، وحاولت السعي وراء معرفة سر الثنائية التي برزت في تعامل الفن مع الجسد الانثوي. اما المستوى الثاني فاعتقد بان هناك جوانب غير فنية ، وهي تسويقية على الاغلب تحاول ان توظف الاعلام باتجاه جمالي مربح ان صح القول، والذي قد يمثل صرعة لا تستمر مع معطيات التغيير المستمر الذي تشهده المجتمعات الغربية.