ان صورة العراق الجديد اليوم، على الرغم مما ما تحمله من مأساة ودموية، تشير إلى مستقبل أكثر أمناً وإستقراراً. وهذا ممكن جداً، فالعراقي صاحب الجرح العميق، خَبِرَ فن المقاومة منذ زمن طويل، حتى أصبح من أكثر شعوب الأرض خبرةً في هذا النوع من الفنون.
اليوم وقد اجتمعت الأصوات العراقية المبدعة، لتعلن عن تمسكها بسبيل الإبداع لتقاوم وتثبت وجودها المؤثر على الساحة العراقية. مطربون، شعراء، ملحنون وموسيقيون، اجتمعوا ليدلوا بآرائهم وتطلعاتهم، وليضعوا الأسس الأولية للارتقاء بمستوى الذوق الموسيقي العام، ومستوى الموسيقى والأغنية العراقية، فهم يرون أن المستقبل أكثر إشراقاً على الرغم من دموية الحاضر، وهذه ميزة الروح العراقية المبدعة. في هذا الاستطلاع، يرى المبدع العراقي ضرورة العمل مع مؤسسات الدولة الجديدة، ومد يد العون والمشورة لها كونه صاحب الاختصاص، والخبير في معاناته وطموحاته ومجاله الفني، وهو يعرف جيداً أن هذا الاستطلاع الذي يخص مجال الموسيقي كونها سيدة الفنون، والمؤثر الأكبر في الروح العراقية، سوف يؤخذ بنظر الاعتبار والدراسة والتمحيص من قبل رجالات العراق الجدد بشكل عام، ووزارة الثقافة بشكل خاص. وهو دعوة مفتوحة إلى كل المبدعين ممن اشتغلوا بمجال الموسيقى والأغنية العراقية للادلاء بآرائهم وطموحاتهم من أجل مستقبل موسيقي غنائي عراقي يمثل وجه العراق الحقيقي، ومن أجل أن يزيلوا عن ذلك الوجه الجميل غبار التشويه الذي تعرض له طيلة سنوات الحكم الدكتاتوري. فباب المشاركة مازال مفتوحاً. للمرة الأولى يُؤخد بنظر الاعتبار رأينا بمواضيع حساسة ومهمة ومن صلب اختصاصنا وكما تعلمون فقد كانت افواهنا مكممة واصواتنا دون نبرة تُسمع وهذا ما دفعنا لمغادرة الوطن مُرغمين وعلى مضض بعد ان جال المرتزقة في كل ميادين الحياة الطبيعية بل وحتى الفنية التي تتطلب الموهبة، لكن ايديهم القذرة ومصالحهم الخاصة حالت بيننا وبين تأدية اعمالنا بصورة طبيعية مما دفعنا الى هجرة لم تخطر ببالنا حتى ولا في الأحلام، لذا نأمل في ان نتماسك ونتكاتف جميعا لنرتقي بوطننا العزيز الى مصاف الدول المتقدمة وهذا والله اقل ما نقدمه في خدمته وسموّه. نعرف ان الموسيقى لغة يتكلمها العالم بأسره. وهي اللغة التي يتعلمها الطفل كلغته الأم وبدون قصد. فحينما تهدهد الأم وليدها بألحان بسيطة تريح اعصابه يتقبلها فينام بهدوء او يستمع الى هذه الترنيمات فبفرح، وفي ذلك دليل كبير وواضح على انسجامه وتقبله لما يسمع. ومن هنا تكمن البداية واقصد الطفولة فحينما ينشأ الطفل سليم الذوق ، فإنه وبلا شك سيكون بذرة صالحة. ان الخطوة الأساسية للرقي بمستوى الذوق العام فنياً وحسياً تبدأ من رياض الأطفال حيث النشأة الأولى واقول رياض الأطفال لأنها المرحلة الدراسية الأولى للطفل بعيدا عن اجواء البيت وهنا تقع المسؤولية الكبرى على المسؤولين والمعنيين. ان هذه البداية برأيي كبيرة ومهمة وتحتاج للصبر والدراية والعلمية البحتة في طرق التربية الحديثة. فتوفير ملاك كفء مع بعض الآلات الإيقاعية وآلات يحبها الطفل كالبيانو والأورغن (آلات الأصوات الثابتة) يساعد كثيرا في استيعاب وتعليم الطفل كما ان توفر نصوص ومفردات غنائية بسيطة تتناسب وعمر الطفل له تأثيره المباشر والجيد فيه وبالتالي يترسخ الكلام مع اللحن في اذنه وذهنه مع مراعاة ان تكون الألحان بسيطة مع استخدام بعض الموازين المناسبة لكي يتحسس الطفل الإيقاع الزمني. ان مثل هذا الأمر ليس بالصعب ولا المستحيل ويكفي تعيين بعض خريجي المعاهد او الكليات الموسيقية الجدد في رياض الأطفال ليبدأ هؤلاء مشوارهم التعليمي البنائي لجيل الغد وهنا يجدر التنويه الى مدى اهتمام دول اوروبا والغرب بهذا العالم الصغير عالم الطفولة حيث يخصص لها رعاية مميزة لراحة الطفل النفسية واستقرارها وهذا ما نرجو من اساتذة المستقبل في ان يراعوا تلك النقطة الحساسة والمهمة جدا، فثقافة ونشأة الجيل الجديد ترتكز وتعتمد على حب وتفاني وثقافة اساتذة رياض الأطفال من ابنائنا الخريجين الجدد لأن هذه النقطة هي العمود الفقري لنشأة الجيل الجديد ليس فنياً فقط بل ادبياً وخلقياً وثقافياً. يلعب اصحاب القرار في العراق الجديد دوراً مباشراً مهماً بل وخطيراً ايضاً، وما ذكرناه في بداية الموضوع واضحاً وشافياً لذا لابد لهم من دراسة مكثفة لكل ما يتعلق بالمؤسسة الفنية الموسيقية والوقوف على كل مستلزمات نجاح مهامها، وبرأيي فلقد عانى الفنان المخلص لفنه ما فيه الكفاية لذا لابد من تنظيف هذه المؤسسة المهمة من مرتزقة النظام السابق اولاً ثم ندرس بجدية طرق رفد هذه المؤسسة بالخبرات وكيفية تنظيمها وتطويرها والإستفادة من خبرة الفنانين الشرفاء الذين أبت كرامتهم واخلاقهم مجاراة الوضع المزري السابق. كل تلك النقاط وغيرها الكثير هي بعض مسؤوليات اصحاب القرار. ان نكران الذات وحب الوطن والتفاني في خدمة الصالح العام تجعل مهام هذه المؤسسة واضحة وطبيعية، وحذار من ان يعيد التاريخ نفسه فالعراق الجديد غير عراق الأمس والشعب المحرر غير المكبل وكل ما نطمح اليه هو الفن الصادق الذي فقدناه. ان مراعاة الأختصاص المشروط بالكفاءة وبالتالي تعيين الشخص المناسب في المكان المناسب، من شأنه أن يؤسس الركيزة الأساسية لمستقبل واثق الخطوات. فليس كل مَن حمل شهادة عليا، أو لحن لحناً جميلاً هو الأفضل، فالكفاءة المشهودة هي مبتغانا اولاً، فهناك كم من حَملة الشهادات يحتاجون دورات تثقيفية لضحالة معرفتهم الموسيقية وكفاءتهم للأسف، لكنهم جلسوا على مقاعد غيرهم بالمحسوبية والنفاق او بسبب هجرة الكثير من اصحاب الكفاءة. ان اختيار لجان تُعنى ببناء المؤسسات الصغيرة الملحقة بالمؤسسة الأم والإكثار من الدورات التدريبة والتأهيلية لذوي الإختصاص، والإنفتاح على العالم الخارجي في هذا الجانب لما يبدونه من اهتمام ورعاية واخلاص واحترام شديد لهذا الفن وهو عكس ما نلاحظه للأسف في مجتمعنا العربي الذي اساء للفن وبشكل لافت للنظر، ومن واجب هذه اللجان ايضاً متابعة جميع المؤسسات الموسيقية والوقوف على سير العمل والخطط وهنا يظهر دور وزارة الثقافة التي لابد ان تكون مهامها جماعية لا فردية، مع نكران الذات ونبذ المحسوبية والأخذ بالرأي والمشورة لما فيه تقدم الصالح العام. ولا يخفى علينا ما للإعلام من دور بارز واساسي ومباشر في التأثير في شخصية الفرد إن لم اقل تكوينها. وما اسباب التخلف والجهل وهبوط الذوق العام إلا بعض من تأثيرات الماضي القريب حيث وكما تعلمون فقد لعب جانب الغناء والموسيقى دوره الكبير في ذلك، لذا يجب ان يتوفر جانب النزاهة والأمانة حتى في اصغر وأدق الأمور لكي نتخلص من تلك الإفرازات السامة المقيتة. ومن الجدير بالذكر ايضا الوقوف ولو قليلاً على حالة الفرد العراقي البسيط. وجميعنا يعرف كمّ المعاناة اليومية التي تكبدها المواطن وما زال يتكبدها، فهو مُتعب الفكر والأعصاب ولا يستطيع انجاز عمله المنوط به بصورة صحيحة وطبيعية. هذا بدوره يؤثر بصورة مباشرة في ذوقه وأخلاقه وعمله، لذا فهو يحتاج الى راحة نفسية تساعده على التركيز في العمل وضبط النفس وهذا لا يكون بتناول اقراص سحرية سريعة المفعول ينتهي تأثيرها بإنتهاء مفعولها، انما المطلوب تقديم جرعات من الحب والدفء وإشعاره بمكانته وأمله في الحياة وهذا يأتي عن طريق سماعه الموسيقى، واركز هنا على مفردة الموسيقى لا الغناء وانصح بالإستماع الى الموسيقى الكلاسيكية، ربما تسخرون من كلامي وتتساءلون: وهل سيتقبل المواطن البسيط بل هل سيفهم تلك الموسيقى ؟ وكما قلت، تدريجياً، هو تعويد، فمتى ما استمع اي انسان مجهد الفكر الى موسيقى مريحة خالية من الإيقاعات القوية و( النص) الذي يؤثر على نفسيته، فإن اعصابه تسترخي وتهدأ وهذا ما تطبقه كل الشعوب الأوروبية ودول العالم راقية المستوى وهنا يأتي دور الإذاعة اليومية لأنها مصدر البث الإذاعي المرافق للفرد يومياً منذ الصباح ولآخر ساعات الليل فاختيار الموسيقى مهم جداً والإكثار من المقطوعات الهادئة المريحة يساعد حتى في اصعب الظروف. يكفينا اغاني المرض والألم والفراق والنوح والبكاء، فالعراق الآن يحتاج لكل كلمة طيبة من شأنها دفع المواطن للأمام حتى ولو كان أمله السراب. ان اغاني الحب الصادق والبناء والتشجيع على الإعمار واغاني الطفل الباسمة المشرقة نحتاجها اليوم اكثر من اي وقت مضى وهذا ما يطبّقه العالم المتحضّر، فمتى نكون معهم في الركاب؟ ونحن نعلم ان التقدم العلمي اثبت ما للموسيقى من دور كبير حتى مع الأمراض الصعبة وقد كان الصينيون القدماء يعالجون مرضاهم بالعلاج الطبيعي مع بعض التراتيل الهادئة، والسؤال لماذا التراتيل الهادئة؟ سؤال جوابه واضح وهكذا هو حال دول اوروبا والغرب ويكفينا ان نستنبط هذه العلاقة مما نلاحظه نحن هنا في المانيا حيث تبث قناة اذاعية خاصة الموسيقى الكلاسيكية وفي معظم الدوائر والمؤسسات الحكومية ترى الموظف ينجز اعماله بكل ثقة ومسؤولية وهو يستمع الى الموسيقى الكلاسيكية وبصوت خافت من المذياع بل حتى ان وزارة المواصلات في المانيا استخدمت هذا الأسلوب الحضاري حتى تحت الأنفاق الأرضية (انفاق المترو) بسبب حالة الزحام والتعب من جراء الحياة اليومية للمواطن لكي تريح اعصابه وتجعله يستمتع بلحظات انتظاره لوسيلة المواصلات تحت الأرض، فهل ابلغ من ذلك دليل ؟ وليس بخفيّ على احد دَور الأيدي القذرة التي لعبت بمشاعر واعصاب وحياة الشعب العراقي ايام الحكم الفاسد الإجرامي حيث باع الكثير نفسه وضميره وأخلاقه في سبيل المصلحة الخاصة. وهنا نطالب بإبعاد هؤلاء المرتزقة والمستفيدين ايّاً كان الاسم والنجومية عن دخول هذه المؤسسة الجديدة فنحن لا نريد رؤية وجوههم التي تذكرنا بالعهد الأسود ولا نريد لأولادنا ان ينشؤوا على ما نشأ عليه الجيل السابق رغما عنه، فخدمة السلطة وفنانوها الذين هربوا خوفاً من جرائمهم بحق الذوق العام وإفشاء الرذيلة والفساد ممن استقطبتهم بعض دول الخليج للأسف في فنادقها الراقية وقصورها لا تشرّفنا رؤيتهم ولا اعمالهم وكفانا ما لاقينا وعانينا منهم بل اننا نطالب القنوات العراقية الفضائية برمي اسمائهم في قمامة التاريخ مع اسيادهم وعدم استقطابهم ومحاورتهم من على الشاشات، أليس هم مَن سرق عمرنا وحياتنا ومستقبلنا ودفعنا للهجرة والمعاناة والحسرة؟؟ والخير كل الخير في الملاك الشريف الذي باع الحياة الرغيدة امام الكرامة والعزة والتمسك بالمبادئ والعلم والشرف الفني الذي اقسم عليه ذات يوم، وسيزخر العراق من شماله الى جنوبه بالملاك الشبابي المبدع الذي سينهض بالعراق عالياً. وهنا اشيد بوزارة الثقافة في اعلانها عن مسابقة تأليف النشيد الوطني العراقي ونطمح الى ان تكون اللجان نزيهة في عملها وان تراعي المواصفات العالمية عند اختيارها للنشيد حيث انه واجهة العراق الحضارية الجديدة بين دول العالم. ولا يفوتني هنا ان اذكر أن بريق الأسماء لا علاقة له بنوع العمل المقدم ويا حبذا لو اُستعين بلجنة اوروبية من الدول الصديقة للمشاركة في الإختيار، وهذا ليس انتقاصاً من قدرة اللجنة المحلية، ابداً، انما للتخلص من المحسوبيات وبعض الأمور التي ما تزال عالقة في كثير من دوائر ومؤسسات الدولة وابسط دليل هو مشاركة الكثير من الفنانين العراقيين المبدعين في هذه المسابقة غير ان ظروفهم في الخارج وعدم توفر وسائل اعلام تسلط الضوء على اعمالهم حالاً بينهم وبين زملائهم ممن لديه الحظوة الإعلامية، لذلك نقترح ان تكون اللجنة بمشاركة غير عراقية كي لا يُغبن حق احد. الشارع العراقي حلّته جميلة ملونة فيها العرب والأكراد والآثور والكلدان والصابئة وطوائف اخرى، الوانهم مختلفة غير ان نبضهم واحد هو حب العراق، لذا يحتاج هذا الشارع الى كل هذه الألوان الجميلة شرط ان تكون مقومات نجاحها متوفرة فاللحن الجميل المعبر مطلوب والكلمة الصادقة الطيبة مطلوبة والصوت الحنون الذي يُشعرنا بالأمان والدفء والراحة مطلوب. وإذن نحتاج الى الأغنية والموسيقى الهادفة المعبرة سواء كانت على اعلى قمة جبل او تحت ابعد قطرة ماء في قعر شط العرب وبذلك يزهو الوطن بالجميع ونكون اشبه بشدّة ورد ملونة عطرها فواح وزكي. الشاعر والموسيقي والملحن في الوطن العربي، حقه مغبون بل انه مظلوم فعلاً. ولولا وجود موسيقيين اكفاء خلف اي مطرب او مغن لما استطاع ان يكون نجما. والدليل، ان اي موسيقي مقتدر بإمكانه الأنتقال من مقام الى آخر بسهولة بينما تصعب على المغني غير الملّم بعلم الموسيقى وأسرارها مواكبة هذا الإنتقال، فالموسيقي هي لولب العمل الفني. كما ان بالإمكان ان يكون الموسيقي مطرباً او مغنياً فيما لو امتلك الصوت الجميل او المقبول نوعا ما، لكن لا يمكن للمطرب ان يكون موسيقياً ما لم يمتلك الموهبة المعززة والمحصنة بالدراسة العلمية الموسيقية. وخلاصة كلامي ان المطرب او المغني او المؤدي تحيطه هالة من النجومية والإعلام في حين يقف أصحاب الحق خلف الكواليس وهذا هو الظلم بعينه، لذا لا بد من ان يأخذ الشاعر والموسيقي والملحن حقه الإعلامي والمادي والمعنوي اسوة بالمطرب. ومن خلال تعاملنا في اوروبا مع الجهات الفنية المسؤولة أحسسنا بمقدار الغبن الذي عانيناه حيث ان لكل من الشاعر والموسيقي والكاتب والمطرب وغيرهم حقه المحفوظ عن طريق مؤسسات فنية ودوائر تابعة لها مهمتها حفظ الحق الشخصي بعد ان يُسجل العمل بإسم الفنان، سواء كانت قطعة موسيقية او لحنا غنائيا او نصا شعريا الى غير ذلك وهذه المؤسسات بدورها تراقب وتتابع الجديد لحظة بلحظة. ومن هنا يتعرض سارق اللحن او النص او..او.. الى مخالفة قانونية قضائية وهذا نظام عالمي معمول به. نقطة اخيرة مهمة اود الإشارة اليها وهي اعلام الصحافة الفني، واقصد بذلك المقالات الفنية والمحاورات والمقابلات والأخبار والنقد الفني الى غير ذلك من امور فنية صحفية، فلقد عشنا حالة من الفوضى لا نحسد عليها في الفترة الماضية حيث كان الصحفي او المحاور هو الناقد الفني وهو الخبير وهو الذي يُملي علينا ما يريدنا قراءته او إسماعه واحيانا كثيرة كان هو نفسه الفنان، لذا نطمح ونتمنى ان يكون دور الصحافة الفنية اكبر من ذلك وأكثر جدارة فمثل هكذا مجالات تتطلب من ذوي الإختصاص ادارتها، فكيف لي مثلاً ان احاور رساماً عن اعماله من دون المامي ولو بنسبة 80% بفن الرسم؟ وكيف استطيع استيعاب الأنغام والأوزان والالحان الغنائية من فنان موسيقي دون ان اعرف نسبة اكثر من النصف عنها؟ وهكذا فناقد الأمس للأسف لم يكن سوى واحد من مجموعة الفراغ المطلق والأسماء كثيرة للأسف، لذا نوجّه عنايتكم الى العمل بمبدأ التخصص والكفاءة واكرر الكفاءة فليس كل مَن يحمل تخصصاً هو كفء بينما يستطيع الكفء ان يتخصص وفي هذا فرق كبير. ولابد ايضا من الإشراف الدوري للمؤسسة الإعلامية الفنية ولن اقول ( الرقابة) ولا سيما متابعة الإصدارات الموسيقية حيث وللأسف تزخر المكتبة العربية الموسيقية بمئات الكتب الخاطئة والفارغة المحتوى وان يكون الإشراف بمعيّة لجنة متخصصة مُتابعَة من قبل وزارة الثقافة وياحبذا لو استعانت هذه اللجنة بل حتى الوزارة بذوي الكفاءة حتى مَن كان منهم خارج الوطن كل حسب اختصاصه، وبهذا نكون قد بدأنا فعلاً بإرساء الأسس الصحيحة والعلمية المتينة لبناء صرح الفن العراقي الذي غاب عنا منذ عشرات السنين ونكون قد غرسنا بذرة شجرة مستقبل الجيل الجديد المثمرة. ان للإعلام المرئي والمقروء والمسموع دوراً خطيراً في التأثير في ذوق المتلقي ومداركه، فهذا السلاح الخطير الذي يستهلك سنوياً المليارات من مقدرات الشعوب، من شأنه أن يرتقي بالفرد إلى قمم النقاء الروحي الإنساني، أو يذله ويمسخ شخصيته، ويمكن أن نرى النموذج الأول في تجربة الشعوب الأوروبية، بينما نرى الثاني في التجربة الدكتاتورية التي حكمت العراق لأكثر من ربع قرن. لذا نجد، أن على الاجهزة الاعلامية في عراقنا الجديد مراقبة وإستخلاص الجيد من كل مايدور في الوسط الفني العراقي عموما والموسيقي بشكل خاص، وان كانت تلك المؤسسات متمثلة بالقطاع الخاص. ومن حيث أننا متفقون على وجوب تقديم واقعنا الموسيقي بمستوى يليق بحضارتنا وعمق تراثنا الموسيقي، فمن الضرورة إستحداث لجان خاصة تشرف على الاعمال الموسيقية والغنائية التي تعرض على القنوات والمحطات الفضائية لانها تنقل بشكل يومي ومباشر الواقع الموسيقي العراقي. ان مستقبل الموسيقى العراقية مرهون بجدية وإهتمام أصحاب القرار في عراقنا الجديد، فهم الذين يمتلكون القدرة على تسيير كل ما يتعلق بمستقبلها. فدعم المؤسسات والجمعيات الموسيقية ماديا ومعنويا ومنحها الحرية في التعبير وفي اختيار الأعمال الإبداعية سوف يصنع واقعاً فنياً راقياً يشار له بالبنان. لقد أعطتنا السنوات الماضية دروساً قاسية حين كانت السلطة تجثم على الروح العراقية المبدعة لتسخرها لخدمتها، مما أدى إلى تعرض الفن العراقي إلى أبشع إهانة عرفها تاريخه. لذا ومن أجل أن نبدأ بدايه جديدة، يجب ان تستند انطلاقتنا من النقاط السلبية في العهد الدكتاتوري وذلك من خلال تسليط الاضواءعلى كل ماهو مشوه ودخيل على الموسيقى والغناء العراقي الاصيل. وهنا تجدر بنا الإشارة إلى مكانة الموسيقي والشاعر والملحن التي لاترتقي الى مكانة المغني والمطرب للاسف، وهذه السلبية ليست في العراق فحسب، بل في بلدان الوطن العربي ايضا، ولا اعرف من اين جاء هذا الإستثناء، علما بان الموسيقي يعمل ويدرس اكثر من المغني احيانا، لذا نرى أن واجب أصحاب القرار أن يستحدثوا قانوناً يضمن حقوق كل من شارك في نتاج إبداعي موسيقى كان أم غنائياً. ان للحفاظ على ديمومة الإبداع الفني، الموسيقي أوالغنائي، يفرض علينا وجوب النظر الى واقع الفنان ودراسة ظروفه الإجتماعية، والانتباه الى مايحيط به من معوقات حياتية يومية خصوصاً في أيامنا هذه. فالعراق زاخر بالكثير من الفنانين الذين يمتلكون القدرة على الخلق والابداع، ولكنهم في الوقت نفسه بحاجة إلى من يتولى مسؤولية دعم ابداعاتهم وتوفير بعض - ولا أقول كل - من المتطلبات الضرورية التي من شأنها أن توصل نتاجهم الفني لمجتمعنا وبالتالي العالم. ان هموم الانسان العراقي الذي عانى الكثير من الظلم والحرمان ولعدة عقود انعكست بشكل واضح على واقع الاغنية العراقية، ولكننا نطمح الى ان تتحول هذه الاحزان الى مسرات لتكون اغانينا فرحة ومتأملة، فكلنا امل بان تاخذ الاغنيه العراقية طابعا اخر غير الحزن. أعترف بأن الحزن أصبح شيئا معتاداً، واصبحت له حلاوة خاصة، ولكن هناك وجوه أخرى للحياة نطمح الى أن تكون هي الصورة الغالبة لعراقنا الجديد وأغنيته وموسيقاه |